IMLebanon

من اقتراح سميث إلى نبرة غوتريش .. مرفأ بايدن و«السفن الاستراتيجية» في بحر غزة!

 

 

 

تمعن اليد الاسرائيلية الآثمة والماكرة والعدوانية، وسائر الصفات الشريرة التي خبرها العرب والمسلمون، منذ أيام الدعوة الإسلامية قبل خمسة عشر قرنٍاً، في إنزال أشد أنواع القتل والتنكيل والغدر والمجاعة، والعبث بكل ما يمكن أن يُسمى بالقانون الدولي الإنساني أو أخلاقيات الحرب أو أي شكل من أشكال تحييد المدنيين، وعدم تحويلهم لأهداف عسكرية، وتعريض ممتلكاتهم وأرواحهم للمخاطر الجمة من القتل الجماعي، إلى إبادة  عائلات عن بكرة أبيها، الأمر الذي ضاق به العالم ذرعاً، من دون أن يتمكن من إيقاف «الثور الإسرائيلي الهائج»، على طريقة ثيران الأفلام الأسبانية والهيولدية، التي ما إن ترتدع حتى تعود إلى اليهجان، فتحطم بقرونها ما يمكن تحطيمه، وتدوس على كل شيء، بقوة الغريزة المتوحشة لديها..

لم يتمكن جو بايدن، الذي دخلت حرب غزة، في صميم برنامجه الانتخابي لولاية رئاسية ثانية في البيت الأبيض، من لجم جماح الثور الاسرائيلي الهائج بنيامين نتنياهو، الذي لم يوفّر له الفرصة، لإستعادة الرهائن الأميركيين المحتجزين لدى المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، من أجل استثمار «تحريرهم» في المعركة البالغة الصعوبة بوجه الجامح الأميركي الآخر دونالد ترامب، الذي أفتى في حملة من حملاته الانتخابية، أو في أحد تصريحاته بوجوب محو شعب غزة عن الأرض كلياً..

 

وعلى الرغم من الجولات السبع أو أكثر لوزير الخارجية الأميركي انطوني بلينكن الى الشرق الأوسط واسرائيل، التي أعلن في أول مرة وصل اليها غداة «طوفان الأقصى» أنه يأتي للتضامن بوصفه «يهودياً»، فإن العناد «التلمودي» بدا سيد المحادثات الأميركية مع يهود التطرف الديني اليميني.. لا سيما نتنياهو والجنرال يوآف غالانت وزير الحرب، ووزير المستعمرات والتطرف في مجلس الحرب (الكابينت) اللذين ما انفكا يحرّضان على إبادة شعب غزة أو ترحيل السكان، الذين أثبتوا قدرة اسطورية على التحمُّل والصبر والصمود بوجه أعتى قوة تدمير وقتل في القرن الحادي والعشرين.

هدَّد بلينكن نتنياهو باشتداد عزلة اسرائيل الدولية، إذا ما اقتحم غزة، بذريعة إبادة أربع كتائب للقسام (حركة المقاومة الاسلامية في فلسطين)، واقترح أشكالاً أخرى لمحاسبة «حماس» وطردها من قطاع غزة، من دون العملية العسكرية، التي وضع جنرالات الحرب خططها، ووافق عليها نتنياهو، فضلاً عن إغرائه بالعودة الى عمليات التطبيع، وجعله يقطف «ثماراً يانعة» لحربه الظالمة والآثمة ضد شعب آمن ومستقر بأكمله..

 

عزفت الولايات المتحدة على نغمة تحييد المدنيين، والرأفة بهم، من دون أن تتمكن من  توفير أي شكل من أشكال الحماية لهؤلاء، أو حتى التلويح للحظة بوقف شحنات الأسلحة الى الكيان، الذي أثبتت أنه «دولة هشة»، على رأسها عصابة، تتغذى لاستمرارها بالدم والقتل والتهجير والتدمير، وليس بأي شيء آخر..

ذهبت الوقاحة بـ «نتنياهو» الى حدّ إبلاغ رئيس أكبر دولة في العالم، والتي تعتبر زعيمة لهذا العالم، أنه ماضٍ في خطط اجتياح مدينة رفح عند الحدود الجنوبية مع مصر، بدعم أميركي أو بلا دعم أميركي، من دون أن يبلغ محديثه «الرئيس العجوز» أن اسرائيل  وفرت الفرصة للولايات المتحدة للإمساك بزمام الأوضاع في منطقة ملتهبة هي الشرق الأوسط، من خلال المساعدة في بناء الميناء البحري على شواطئ غزة من أجل تأمين وصول ما يسمى بالمساعدات الغذائية الإنسانية»..

على أجساد أطفال ونساء وبنات وشيوخ غزة ورجالها وشبابها ترسم الدول المعنية بالتصارع على الشرق الأوسط، وعلى غزة الفلسطينية، بؤرة القوة الفلسطينية الصاعدة، التي هي علي وشك ان تظهر ان حركات المقاومة في فلسطين أصبحت «قوة لا تقهر».

تنظر الولايات المتحدة الى مستقبلها في الشرق الاوسط، كوريثة لبريطانيا العظمى في رسم الاستراتيجيات والسياسات، من زاوية مختلفة عن الزاوية الاسرائيلية، فهي تعتبر أن عمليات التطبيع هي المدخل لسيطرة مديدة على مقدرات المنطقة وثرواتها وأسواقها، وليست آلة القتل والتدمير، وهذا لن يتحقق خارج إقامة كيان فلسطين، على الأرض الفلسطينية المعروفة بحدود الرابع من حزيران عام 1967، أو ما تسمِّيه الولايات المتحدة بحلّ الدولتين، بصرف النظر عن الجهات الفلسطينية القادرة على الدخول في نظام شراكة أميركية – إقليمية – عربية، تجعلها تمسك بسائر الأوضاع في الشرق الأوسط، وتتمكن من تطويع القوة الايرانية الصاعدة، عبر حركات المقاومة في غرب آسيا..

اقترح مؤسس علم الاقتصاد البريطاني آدم سميث، عندما لاحظ بطء حركة الخيول مع العربات ذات الأربع عجلات في نقل السلع، تركيز العمل الحرفي والصناعي لاعتماد النقل المائي، عبر السفن لفتح أبواب أسواق العالم البضائع المنتجة بصنوف العمل المختلفة.. وكان لبريطانيا العظمى أن تربط مستعمراتها التي لا تغيب عنها الشمس، عبر ربط البحار والقنوات والمضائق والسيطرة عليها..

وها هي الولايات المتحدة وريثة بريطانيا في ادارة العالم، تضع ميناء على بحر غزة، ليس لإيصال السلع والمواد الغذائية والطبية، وحسب، بل لربط المشروع الفلسطيني ككل باستراتيجيتها المرسومة الى المنطقة..

دخل قمس كبير من اليهود الذين هربوا من جرائم الحرب النازية الى فلسطين عبر السفن غير الشرعية، بترتيبات من المنظمات اليهودية، والتي استخدمت بطاقات مزورة، للمجيء عبر نهر الدانوب والبحر الاسود وميناء مرسيليا..

مرة جديدة، يبرز البحر، قوة ربط بين بحار وممرات مائية، واكثر بين استراتيجيات وخيارات، بمعزل عن نبرة الأمين العام للامم المتحدة غوتيريش عند معبر رفح، التي تلاقت مع سفن بايدن على شاطئ غزة من دون النجاح بكبح جماح المجرم الصهيوني!