Site icon IMLebanon

لمْ يُخطئ مَن انتظر لقاء بايدن ـ ترامب… ولكن

 

صحّت التوقعات التي راهنت على نتائج اللقاء الذي جمع الأربعاء الماضي الرئيس السلف جو بايدن والخلف دونالد ترامب، لتحريك الملفات المجمّدة في لبنان، والتي كانت تنتظر إشارة من الموفد الرئاسي عاموس هوكشتاين، لمعرفة حصيلة مشاوراته الأخيرة وانعكاساتها على ما هو مطروح من مشاريع حلول. ذلك انّه وإن لم تتوافر بَعد الظروف توصلاً إلى صيغة قابلة للتطبيق، فإنّه كشف كثيراً من المواقف التي كانت ملتبسة، وأسقط ما يغلّفها من غموض. وهذه هي المؤشرات.

في أقل من 24 ساعة على نهاية اللقاء بين بايدن وترامب في البيت الأبيض، أطلّت السفيرة الاميركية في بيروت ليزا جونسون في عين التينة، في زيارة لم يكن يُتوقع أن تكون «محطة متابعة»، بعدما تسرّب لاحقاً أنّها سلّمت بـ «الإنابة» عن هوكشتاين إلى الرئيس نبيه بري «الصيغة الأميركية» لمسودة مشروع حل بين لبنان واسرائيل، يقدّم المخارج الديبلوماسية على الخيارات العسكرية، بغية خفض التوتر ووضع حدّ له بين لبنان وإسرائيل. وفي ظلّ عدم الإفصاح رسمياً عن طبيعة الصيغة التي حملتها جونسون، توسعت السيناريوهات التي تحاكي مضمونها، فأجمعت على أنّها تناولت تطبيق القرار 1701 ومستلزماته، بالآلية التي تمّ التفاهم عليها بين واشنطن وتل أبيب، من دون أي إشارة ثابتة إلى ما تضمنته من المقترحات السابقة المتداولة بين بري وهوكشتاين، حيث كان رئيس المجلس قد ربط اي بحث في أي صيغة جديدة بتلك التي تناولتها محادثاته مع الأميركيين.

 

 

وانطلاقاً من هذه التفاصيل التي لا يمكن تجاهل أهميتها بالنسبة إلى الجانب اللبناني، الذي لم ولن يعترف حتى الأمس القريب، بما نشرته وسائل الإعلام الاسرائيلية والأميركية من مخارج وحلول في شكلها ومضمونها، قبل وصول الورقة الأميركية أمس الاول الخميس، التي كان ينتظرها، لا بدّ من التثبت مما سيكون عليه الموقف اللبناني الذي يمكن ان تكتمل فصوله نتيجة المشاورات العاجلة التي بوشر بها بين عين التينة ومسؤولي «حزب الله» ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي، في غياب أي طرف آخر، ما لم تتكشف وقائع جديدة يمكن أن يقف كل من بري وميقاتي عند رأيه فيها، سواء على المستوى العسكري او الديبلوماسي.

 

وفي علم العارفين بكثير من التفاصيل، وهي ملك ما يدور في الغرف المغلقة ومن يشاركون فيها، انّ القنوات المفتوحة بين مختلف هذه المراجع مستترة ولم تتكشف بعد، إن كانت هناك آليات أخرى خارج هذا «الثلاثي» الذي يدير المفاوضات. وليس هناك ما يشير إلى أدوار قيادات او اطراف أخرى تُستشار قبل تكوين الموقف اللبناني النهائي من أي بند من بنوده. فالآلية المعتمدة حتى اليوم غامضة، ولا تخضع لأي معايير شفافة أياً كانت الدوافع إليها. فسوء الظن غالب في بعض الأوساط التي تنتظر ما هو محجوب. ذلك انّ التجارب السابقة قالت إنّ هناك اموراً ومقترحات يحتفظ بها المفاوضون في انتظار ردّات الفعل عليها. وهي عملية نتج منها كثير من التسريبات المشوشة والملتبسة حتى بين أبناء الصف الواحد، وهي تحتوي على ما يحاكي العواطف والأمنيات بدلاً من المعلومات، وخصوصاً إن كانت تشير إلى قرارات وخطوات مؤلمة لا بدّ من اتخاذها، ولا يمكن تجاوزها في لحظات الجدّ، وعندما يتصل الأمر بالمفاوضات مع الوسطاء والأطراف الخارجية.

 

 

وبعيداً من أي معلومات رسمية، فإنّ ما هو اقرب إلى المنطق انّ الخلاف ما زال قائماً على قاعدة تفسير القرار 1701 بمختلف مندرجاته، طالما أنّه ليس هناك ما يوحي بقرار جديد. والحديث يصيب في هذه المرحلة آلية تطبيقه وما يمكن القيام لضمان تنفيذ بنوده وفق روزنامة زمنية محدّدة. ذلك انّ ما هو مقترح دقيق، وقد اقترب من أن يتعهّد جميع الاطراف بما تقول به الورقة في حدّ ذاتها، وخصوصاً إن كانت نتيجة توافق تمّ التوصل إليه بين بايدن وترامب عندما تلاقت بعض الأفكار والعناوين العامة، بحيث يجب أن يوجد من يترجمها بطريقة تتضمن ملاحظات السلف والخلف. ذلك انّ هناك من يعتقد جازماً أنّهما يلتقيان على كثير منها، ولا يتعدّى الخلاف الشكليات. وإن كان كبيراً فهو يتناول تقديم بند على آخر لا أكثر ولا اقل. فالاستراتيجية الأميركية لا يضعها شخص بوجود الإدارة العميقة التي ترسم الخطوط العريضة، ولا تسمح بهامش حركة لا يتعدّى الشكليات وطريقة التنفيذ وآلياته.

 

ولذلك، يضيف العارفون، أنّ من دعا قبل ايام إلى ضرورة انتظار لقاء بايدن وترامب قد أصاب، لأنّه كان لا بدّ من أن يتطرّقا إلى ما يجري في المنطقة. فكلاهما تعهّدا بالقيام بأي خطوة تفضي الى خفض التوتر والتوصل الى وقف للنار، وبقي التثبت من إمكان إعطاء لبنان هامشاً يقود إلى بعض مما يطالب به. فما كان مطروحاً من قبل ولم يصارح به المسؤولون اللبنانيون مواطنيهم، يمكن أن يكون مذّلاً ويقترب من ان يكون استسلاماً بطريقة لا يمكن إخفاءها. وأنّ مهمّة الاميركيين كانت تلطيف الموضوع باقتراحات تخفف من خطورة ما هو مطلوب لوقف العدوان على لبنان.

 

 

فإلى وقف المناقشات حول خلو منطقة جنوبي الليطاني من أي سلاح او مسلح غير شرعي، جاء الاقتراح الاميركي بتوسيع اللجنة الثلاثية التي تدير المفاوضات غير المباشرة بين لبنان وإسرائيل عبر قيادة «اليونيفيل»، لتكون خماسية بانضمام مراقبين أميركيين وفرنسيين او «سباعية» لتضمّ ممثلين إضافيين لكل من ألمانيا وبريطانيا لإرضاء طرفي النزاع. فمثل هذه الفكرة تثبت إلى حدّ ما انّ ما تقوم به إسرائيل ما زال تحت سقف ما تريده الادارة العميقة في الولايات المتحدة، التي أرادت من خلاله قطع الطريق على مطلب اسرائيل بإبقاء الأراضي اللبنانية تحت غطائها الجوي من أجل منع اي خرق او استعداد لزيادة التسلح، وتخفف من وطأة ما هو مطلوب من لبنان الذي يمكنه ان يبرّر أي خروج على ما هو متفق عليه، وأن يدافع عن اي خطأ يمكن ان يُرتكب عبر هذه الآلية قبل التدخّل الاسرائيلي المباشر.

 

عند هذه الملاحظة ونظيراتها لا يمكن التكهن بما قالت به تفاصيلها الاخرى، في ظلّ السرّية المطبقة على ما مطروح، فإنّ المراجع المعنية تصرّ على أهمية عدم البت بأي خطوة متوقعة قبل التثبت مما هو مطروح على اللبنانيين. فالمزاجية تتحكّم بكثير مما هو مطروح، وانّ التهاون بجدّية بعض الخطوات التي امتهنها بعض اللبنانيين باتت تشكّل خطراً جدّياً عليهم وعلى واقع الامور كما على مستقبلها ايضاً. ذلك انّ التلاعب بتفسير بعض البنود التي ترضي بعض اللبنانيين وتدغدغ عواطفهم لم تعد لغة دولية رائجة. فما حصل لا يمكن طيه أو تجاوزه بالتذاكي على المجتمع الدولي. فساعة الجدّ بدأت بدقائقها الأولى، وإنّ الحديث عن توازن الرعب والردع بات من الماضي، ولم يعد هناك مجال للتهاون بأي تعهدات تُقطع، فالأسلحة ما زالت مسلّطة والعيون شاخصة ودفتر الحساب مفتوح. ولذلك فإنّ أي دعسة ناقصة ممنوعة.