IMLebanon

أين لبنان في جولة بايدن؟

 

 

على رغم التحليلات التي تؤكّد أهمية الزيارة التي يقوم بها الرئيس الأميركي جو بايدن للشرق الأوسط وتداعياتها العالمية، فإنّ الإدارة الأميركية نفسها لم تظهر حماساً شديداً في الحديث عن نتائج ملموسة لهذه الزيارة، نظراً إلى ما يحوطها من تعقيدات. وهذا ما يمكن أن يفسّر البرودة في التحضير لها، أميركياً وعربياً.

واضح أنّ الطرف الوحيد الذي يهلّل لزيارة بايدن ويروّج لاعتبارها حدثاً مفصلياً في الشرق الأوسط هو إسرائيل، فيما لم تصدر أي انطباعات متفائلة عن الطرف العربي، أي قادة مجلس التعاون الخليجي. وواضح مناخ التحفّظ الذي عبّر عنه بايدن نفسه، في المقال الذي نشره في «الواشنطن بوست»، وبرّر فيه زيارة السعودية في خضم الفتور السائد في العلاقات الثنائية.

 

ما يريده الإسرائيليون هو الاصطياد في المياه العكرة إقليمياً ودولياً، واستثمار زيارة بايدن على 4 مستويات:

 

1- محاولة تشكيل منظومة إقليمية، بتغطية أميركية، تخفف عن إسرائيل أعباء المواجهة المنفردة مع إيران.

 

2- تذليل العقبات التي تعترض التقارب مع بعض الدول العربية، والخليجية تحديداً.

 

3-استغلال الغطاء الأميركي لممارسة المزيد من الضغوط على الفلسطينيين، بحيث يبقى بايدن في هذا الملف على نهج سلفه دونالد ترامب.

 

4- استثمار لحظة الضغط في ملف الطاقة إقليمياً ودولياً، لفرض أولوية منظومة النفط والغاز الشرق أوسطية التي تحاول إسرائيل أن تستغلها وتستثمر ميزاتها، مع تفاقم الأزمة في ملفي النفط والغاز الروسيين والإيرانيين.

 

هذا يعني أنّ ما يريده الإسرائيليون من قمتهم مع بايدن يختلف تماماً عمّا ينتظره القادة العرب، ولاسيما المملكة العربية السعودية في قمة جدة. ولذلك، تواجه جولة بايدن تحدّياً صعباً بين الجموح الإسرائيلي المبالغ فيه إلى «التمدّد»، والحرص العربي النادر على التزام مستوى دقيق من الحذر والتحفظ في العلاقات الإقليمية والدولية.

 

وليس سراً أنّ اللولب الأساسي الذي سيحدّد الخيارات في قمة جدة هو المملكة العربية السعودية، وتحديداً توجّهات ولي العهد محمد بن سلمان. ففي القراءة السياسية، من خلال قمة جدة، سيضع بايدن حداً للفتور في العلاقات مع القيادة السعودية المستقبلية. وهو ما حرص على التعبير عنه في مقال «الواشنطن بوست».

 

هذا السلوك طبيعي في واشنطن. فالأميركيون ميالون عادة إلى البراغماتية السياسية. ولكن، في السنوات الأخيرة، ظهرت ملامح براغماتية عربية غير مسبوقة، وتستدعي أن يأخذها الجميع في الاعتبار. فصحيح أنّ عمر العلاقات بين الولايات المتحدة والمملكة ناهز الثمانين عاماً، لكن 77 عاماً منها شكّلت عهداً معيناً يتسم بالولاء شبه المطلق، فيما بدأ عهد جديد من العلاقات منذ 3 سنوات يحمل طابعاً مختلفاً.

 

بالنسبة إلى السعودية اليوم، لم تعد الولايات المتحدة هي السند الوحيد الذي له الولاء المطلق، وهو مصدر كل دعم سياسي وعسكري واقتصادي. وثمة نهج جديد تعتمده المملكة، يأخذ كل عناصر السياسة الدولية في الاعتبار، ويقيم الحساب للتحوّلات على اختلافها. والحافز الأبرز إلى اعتماد هذا النهج هو سوء التفاهم الذي ساد العلاقات الأميركية – السعودية وإرباك واشنطن في الكثير من ملفات الشرق الأوسط في السنوات الأخيرة.

 

فمنذ 11 أيلول 2001، بدأ السعوديون يلمسون تبدلاً في التعاطي الأميركي معهم. بعد ذلك، جاءت حرب العراق و»الربيع العربي» ليكرّسا هذا النهج. ولكن، مع انفجار الحرب في سوريا واليمن، الخاصرة السعودية، والتحوّلات التي شهدها الملف الإيراني، ترسّخ لدى السعوديين اقتناع بضرورة إنهاء الحصرية في العلاقات مع الأميركيين وإعادة تأسيسها بما يلائم مصالحهم.

 

ولذلك، في قمة جدة، سيضغط بايدن في ملفات عدة، مقابل إطلاقه الوعود للعرب بتقديم الدعم السياسي والعسكري. لكن مقدار التجاوب العربي، والسعودي تحديداً، لن يكون مضموناً:

 

1- تتحفظ دول مجلس التعاون الخليجي في الاستجابة إلى طلب واشنطن والغرب زيادة إنتاج النفط، بهدف الضغط على روسيا وإضعافها في حرب أوكرانيا. فالعرب يجرون مراجعة لما أفرزته هذه الحرب حتى اليوم وما يمكن أن تنتهي إليه. ولأنّ الروس ليسوا على وشك الاستسلام هناك، كما يبدو، فما من طرف عربي مستعد لحرق الأصابع بحسم الاصطفاف مسبقاً.

 

2- يدرك السعوديون أنّ بايدن يرغب في إحياء اتفاق فيينا 2015 مع إيران في أقرب وقت، سعياً إلى زيادة إنتاج النفط والغاز عالمياً وخفض الأسعار. لكن الهاجس الأساسي لديه هو طمأنة إسرائيل أولاً لا الخليج العربي. ولذلك، هم قرّروا عدم انتظار المتغيرات، وفتحوا قناة مباشرة للحوار مع الإيرانيين في بغداد.

 

3- على رغم الضغوط والإغراءات، لا يستعجل السعوديون تحقيق أي خطوات عملانية في مسار العلاقات مع إسرائيل، ما دام الملف الفلسطيني جامداً. فالأساس هو أن توافق إسرائيل على حل الدولتين الذي نادوا به في قمة بيروت 2002. وهذا الأمر يبدو بعيداً أكثر فأكثر.

 

هذه هي المعطيات التي ستكون حاضرة على الطاولة في جدة. ولا توحي المناخات السائدة بأن الحلول في الملفات الساخنة المطروحة ستكون سهلة، وأنّ الثقة بين واشنطن وحلفائها العرب ستعود إلى «عصرها الذهبي». وربما، لهذه الأسباب لا تظهر علامات تفاؤل بالنتائج، لا عند الأميركيين ولا عند العرب، فيما يتفرّد الإسرائيليون بالتهليل تارة والتهويل تارة أخرى.

 

ضمن هذه الدائرة، يصبح ممكناً السؤال عن لبنان: أين هو في هذه الزيارة، وما هي النتائج التي قد تنعكس عليه، من مسألة التموضع بين المحاور الإقليمية إلى موقعه في ملف الطاقة؟

 

قمة جدة تضع مصر والأردن والعراق في مصاف الشركاء مع دول مجلس التعاون الخليجي، وطبعاً يغيب عنها لبنان لأنّه ليس جزءاً من منظومة الشراكة الأميركية في الشرق الأوسط. لكنه أيضاً ليس جزءاً من منظومة النفوذ الإيراني، وإن كانت غالبية السلطة فيه لحلفاء إيران. فحلفاء إيران أقوياء في العراق أيضاً، وفي سوريا واليمن.

 

قد يكون هذا التموضع، على التقاطع بين منظومات الصراع الإقليمي لا في داخلها، نقطة قوة للبنان، إذ يمنحه هامش الاختيار سياسياً واقتصادياً، ضمن مساحة معينة من الحرية.

 

فإذا كان السعوديون يرغبون في ترميم علاقاتهم مع الإيرانيين، والأميركيون على وشك تعويم اتفاقهم مع طهران، فالأحرى أن يقطف لبنان «ميزات» التقاطع لا أن يدفع مجدداً ثمن التصارع. لكن هذا الأمر يحتاج إلى إدارة قوية ومتماسكة وحاملة للرؤية، وقادرة على اتخاذ القرار. فأين هي هذه الإدارة؟