IMLebanon

إنسحاب بايدن… أمل أوروبي وترقّب روسي وحذر أوكراني

 

 

لا شك في أنّ انسحاب الرئيس الأميركي جو بايدن من السباق الرئاسي كان مرجّحاً، خصوصاً بعد المناظرة السيئة التي تَوَاجه بها مع ترامب والأداء الضعيف الذي قدّمه، مضافاً الى التعثرات والتلعثمات الكثيرة التي باتت متكرّرة في الآونة الأخيرة، الّا انّ الدفع الكبير الذي حصل عليه دونالد ترامب إبّان محاولة الاغتيال، كان الشعرة التي قصمت ظهر البعير بالنسبة إلى حملة بايدن، وأصبح الحزب الديموقراطي في حاجة ماسّة وسريعة إلى حصان بديل يستطيع أن يكبح جماح ترامب الراكض بسرعة وثبات نحو البيت الأبيض.

على رغم من أنّ الانسحاب كان متوقعاً لدى كثير من الدوائر الرسمية والاعلامية الدولية، الّا أنّه ترك بصمة كبيرة في مسار العلاقات الدولية، خصوصاً أنّ أحداثاً كثيرة حول العالم مرتبطة بمصير الاستحقاق الرئاسي الأميركي ومن سيربح السباق الى البيت الأبيض.

 

أول المصدومين الرئيس الاوكراني فلوديمير زيلينسكي الذي شعر حتماً باليتم السياسي المعنوي والمادي، وهو الذي استطاع أن يحصل من بايدن ما لم يحلم به. حيث حشد العالم الغربي إلى جانبه، ووصل الدعم السياسي والتمويل في حزمته الأخيرة فقط إلى ما يفوق الـ60 مليار دولار، وهذا الأمر قد لا يتحقق اليوم بعد دخول بايدن في مرحلة تسيير الأعمال.

 

أما نتنياهو الذي يصل إلى واشنطن غداً، سيُدخل حتماً تعديلاً على جدول لقاءاته. إذ طلب موعداً للقاء ترامب، وهو الذي يراهن عليه منذ اليوم الأول، ويراوغ في المفاوضات ويمنع توقف الحرب في غزة، أملاً منه بوصول ترامب الى البيت الأبيض، لخلق مسار سياسي جديداً ينقذه من السقوط المحتوم لحظة وقف اطلاق النار، ولكن في الوقت نفسه تولّد لديه خوف من أن يفتح انسحاب بايدن الباب أمام الديموقراطيين لإيجاد بديل جدّي يستطيع منافسة ترامب، بعدما كان وصوله الى البيت الأبيض محتوماً فيما لو بقي بايدن المتعثر في السباق.

 

مرشحون محتملون

 

كامالا هاريس نائبة الرئيس صاحبة الحظوة الأوفر في دعم الديموقراطيين، ولكنها ليست الوحيدة، إذ يبرز اسم وزير النقل بيت بوتيجيج واليزابيت وارن وبرني سادرز، عضوا مجلس الشيوخ، بالإضافة الى حاكم ولاية كاليفورنيا جافين نيوسوم. ولكن من بين الأسماء جميعها يرى مطلعون على كواليس السياسة الأميركية، أنّ الاسم الوحيد الذي من الممكن أن ينافس ترامب بعد وصول حملته إلى هذه المرحلة المتقدمة هو باراك أوباما. أيامٌ قليلة ويبتّ الحزب الديموقراطي هذا الأمر، في محاولة منه لمسابقة الزمن وتركيب فريق لحملة انتخابية رئاسية، وسط اندفاع المانحين الكبار إثر خبر انسحاب بايدن وعودة الحماسة الى الدينامية الانتخابية في الوسط الديموقراطي.

ترقب روسي ـ صيني

 

وترى الأوساط السياسية الأوروبية، أنّ انسحاب بايدن يُضعف من الاندفاعة الكبيرة التي حظيت بها حملة ترامب. وتنظر بإيجابية الى هذا التطور الذي من الممكن أن يمنع ترامب من الوصول الى البيت الأبيض، وسط مخاوف أوروبية من وصوله لأسباب سياسية واستراتيجية تتعلق بموقفه المتشدّد حيال التعاون والسياسة الخارجية، خصوصاً من نظرته إلى جدوى استمرار الولايات المتحدة كشريك في حلف «الناتو»، وطرح الخروج من هذا الحلف الذي يشكّل العمود الفقري للسياسة والأمن الغربيين. ويرى ترامب أنّه باب للهدر والإنفاق الخارجي الذي لا يعود بالنفع المباشر. وينظر ترامب إلى الأموال التي تُنفق على تمويل «الناتو» وحروب مثل أوكرانيا وحماية تايوان والفيليبين وغيرها، على أنّها هدر يمكن الاستفادة منه لتقوية الاقتصاد الداخلي الأميركي الذي يعاني من الضعف الشديد، وسط ارتفاع مؤشري التضخم والفائدة.

 

ويرى ترامب أنّ في إمكانه مواجهة الصين بأساليب مختلفة، ليس عبر الإنفاق التقليدي بل عبر فرض رسوم جمركية على الصناعات المنافسة والقيود التكنولوجية، لمنع الدول المنافسة من الوصول اليها بسهولة، ومن خلال فرض العقوبات تحت عناوين حقوق الإنسان، ومن خلال تعزيز الوجود العسكري في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وأخيراً من خلال تعزيز التحالفات الاقليمية وتقوية التعاون مع دول مثل اليابان وكوريا الجنوبية، هذا بخصوص الصين. أما بالنسبة الى روسيا، فتعتمد نظرة ترامب على استبدال الإنفاق الأميركي بزيادة الإنفاق الأوروبي على «الناتو» لمواجهة روسيا، والاستمرار في سياسة فرض العقوبات بدل التمويل ودعم صادرات الطاقة الأميركية الى أوروبا للاستغاء عن تلك الروسية، والانسحاب من معاهدات السلاح النووي لوقف التقدّم الروسي في سباق التسلح، وأيضاً من جهة ثانية الاعتماد على الجهود الديبلوماسية من خلال تحسين العلاقات مع روسيا عبر قنوات مفتوحة مع الرئيس بوتين، لمحاولة تحقيق أهداف أكثر بأكلاف أقل.

 

قلق أوروبي

 

وتشعر أوروبا بقلق إزاء وصول ترامب الى البيت الأبيض لأسباب رئيسية عدة منها:

 

السياسات المتقلّبة، واتخاذ قرارات غير متوقعة في السياسة الخارجية، يسبّبان حالة عدم استقرار بالنسبة الى الحلفاء، وسياسة التراجع عن الاتفاقيات الموقّعة مثل اتفاق باريس للمناخ والاتفاق النووي الايراني، اللذين سبّبا إرباكاً كبيراً للسياسة الأوروبية التي تقوم على التقليد السياسي وانعدام المرونة في التأقلم مع المتغيّرات المفاجئة.

اما علاقة ترامب المتوترة مع الناتو فهي أيضاً من الهواجس الأوروبية الرئيسية.

 

وكذلك التجارة والتعريفات الجمركية، حيث يسعى ترامب الى استكمال سياسة فرض التعريفات المرتفعة على استيراد الصلب والألومينيوم من أوروبا، تطبيقاً لسياسة النهج الحمائي الذي أقلق أوروبا. وكذلك علاقة ترامب مع روسيا، والموقف السلبي من زيلينسكي في اعتباره «أمهر تاجر يأتي الى أميركا ويأخذ الأموال من بايدن بالمليارات»، حسب تعبيره. وقدرته على التواصل مع الرئيس الروسي للوصول الى حلّ للنزاع الروسي ـ الأوكراني قد لا يكون كما تشتهيه الدول الأوروبية، وما يمكن ان يكون لهذه العلاقة من تأثير سلبي على دول حليفة لأوروبا مثل دول البلطيق.

 

وإلى كل ذلك، سياسة ترامب الخارجية الأحادية التي تقيم الاعتبار لأميركا أولاً من دون مراعاة مصالح الحلفاء، الأمر الذي لا تنظر اليه أوروبا بعيون الارتياح.

 

الأمل الأخير لنتنياهو…

 

رهان كبير لنتنياهو على فوز ترامب في السباق الرئاسي، إذ يشكّل له الانعطافة التي يحتاجها للخروج من المسار الانحداري الذي يقود به إلى الخروج من السلطة أو السجن، وسط الإخفاقات الكبيرة في السياسة والأمن التي أدّت الى الانقسامات الحادة في الداخل الاسرائيلي، والى نجاح هجوم السابع من تشرين، بحسب معارضيه. وكذلك الإخفاق في تحقيق أهداف الحرب، لا سيما الهدفين الرئيسيين: القضاء على حركة «حماس» وفصائل المقاومة في غزة. وتحرير الرهائن الاسرائيليين والأجانب. ويعتبر نتنياهو أنّه بعودة ترامب يستطيع أن يحقق الأهداف الآتية:

ـ الحصول على الدعم القوي في ظلّ التناقضات مع ادارة بايدن. إذ على رغم من وقوف أميركا الى جانب اسرائيل في كل الحالات. الّا أنّ ادارة بايدن لم تقف الى جانب نتنياهو في كل مخططاته، بل عملت على دعم معارضيه من خلال توجيه الانتقادات اليه وكبح جماحه في كثير من المواقف، واستقبال معارضيه، ولا سيما منهم وزير الدفاع السابق بنيامين غانتس، ما أدّى إلى وصول العلاقات الاسرائيلية- الأميركية الى أسوأ مستوياتها خلال عقود.

ـ استكمال التطبيع مع الدول العربية، ولا سيما الدول المركزية منها مثل السعودية، حيث يراهن بايدن على العلاقة القوية التي تجمع ترامب بولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان، التي من الممكن أن تعيد فتح مسار التطبيع الذي تعثر بعد أحداث السابع من تشرين.

 

بالاضافة الى نقاط أساسية، كالضغط على ايران والتعاون العسكري والأمني والدعم السياسي، ولا سيما منه الداخلي في مواجهة المعارضة الشرسة. كل هذه عوامل أساسية يراهن عليها نتنياهو ويربط بها مصيره السياسي، وينظر بعين الخوف من إيجاد المنافس الديموقراطي القوي بعد انسحاب بايدن في مواجهة ترامب.