تحفظات حول الشكل والمضمون السياسي
مؤتمر «البيال» بدلاً عن ضائع أم نقلة نوعية؟
تفتتح «قوى 14 آذار» موسمها السياسي الحادي عشر، من حيث جمدت خطابها السياسي مع بداية الأزمة السورية قبل اربع سنوات وما تفرع عنها من تطورات اقليمية ومحلية، بات معها لبنان في موقع المتلقي لكل نتائج الازمات الاقليمية، والمتكل فقط على قرار كبير خارجي بدعم استقراره الامني وإبقاء وضعه السياسي في حالة «ستاتيكو» بانتظار بلورة صورة الوضع الاقليمي العام ليبنى على الشيء مقتضاه في ملفات الاستحقاق الرئاسي والتوافق السياسي الداخلي وتشكيل حكومة جديدة وتنشيط العمل التشريعي.
ولم يبدُ، من خلال ما اعلنه اركان هذا الفريق، انهم اجروا مراجعة نقدية حقيقية وواقعية لتجارب الاعوام العشرة الماضية، وبالأخص الاعوام الاربعة الاخيرة، بدليل ان هذه المراجعة لم تثمر خطابا جديدا يسهم في معالجة مشكلات البلد وأزماته، ولم تقدم ممارسة نوعية جديدة تحفظ وحدة البلد والدولة ومؤسساتها، ولم تنتج مكونا سياسيا جديدا متميزا بالخطاب والممارسة.. بل إن التوجه الجديد الذي عبرت عنه الوثيقة السياسية لـ «مؤتمر البيال»، ينبئ بالتحضير لمزيد من الاشتباك السياسي الداخلي تحت عناوين باتت متخلفة عن التطورات الحاصلة، لا سيما في موضوع تقدم المفاوضات النووية بين ايران ودول الغرب، وبدء تغيير التوجه السعودي في مقاربة الملفات الساخنة في المنطقة من اليمن الى العراق فسوريا ومصر، وتغير الموقف الغربي من النظام السوري لجهة عدم تغييب الرئيس بشار الأسد عن اي حل سياسي.
ويُخشى، من خلال توجه الوثيقة السياسية، ان يستمر هذا الفريق في تعطيل عمل المجلس النيابي بحجة عدم انتخاب رئيس للجمهورية، كما تعطل إنتاج مجلس الوزراء فترة للسبب ذاته، وأن يستمر في التأثير السلبي على عمل مجلس الوزراء في بعض الملفات السياسية والانمائية والاقتصادية والاجتماعية، لا سيما إقرار الموازنة العامة، فيما الحوار القائم بين تيار «المستقبل» وبين «حزب الله» ما زال متأثرا بما اسماه الرئيس سعد الحريري «ربط النزاع»، ما يعني استمرار الازمات الداخلية بلا حل حقيقي.
وتتوقف قيادات في «فريق 8 آذار» امام ما تصفه «الخطاب الخشبي» لوثيقة «البيال» لأنه لم يقدم جديدا نوعيا لحل ازمات البلد الداخلية وواصل ربطها بالازمات الخارجية، لا سيما في سوريا وما يتعلق بإيران والموقف السلبي منها. بل هو خطاب يعكس ازمة داخلية لدى هذا الفريق، تم التعبير عنها بإنشاء الهيئة التحضيرية المنوط بها وضع برنامج عمل للمرحلة المقبلة خلال شهرين من الآن، ولعلها مهلة كافية ليتبين الخيط الابيض من الخيط الاسود في الوضع الاقليمي، لتبنى عليه خطة العمل الجديدة. وإلا لماذا لم يتم خلال الفترة التحضيرية لمؤتمر «البيال»، التي استمرت اكثر من شهر، وضع خطة العمل المقبلة بدل التركيز فقط على الوثيقة السياسية العامة التي لا يختلف اثنان من مكونات هذا الفريق على عناوينها وتوجهاتها، وهي النسخة الحرفية المنسوخة للوثائق السياسية السابقة التي صدرت في مؤتمرات «البريستول» و»بيت الوسط» وغيرها خلال السنوات الماضية.
ويدل التوجه العام «لفريق 14 اذار»، حسب رأي «8 آذار»، على استمرار ربط النزاع الداخلي بالنزاع الخارجي، وهو الأمر الذي يتناقض مع ما يعلنه دوماً عن عدم ربط لبنان بالمحاور الاقليمية. ويذهب بعض غلاة «فريق 8 آذار» الى تشبيه «المجلس الوطني اللبناني» بشقيقه «المجلس الوطني السوري المعارض» البلا حول ولا طول ولا قرار فعال، من حيث ارتباط قراره بالدول الاقليمية الراعية له، بالرغم من الترويج الاعلامي والسياسي الذي حاول ان يعطي ما وصفه «دينامية سياسية جديدة وتجديد تنظيمي» لهذا الفريق.
وتشير مداولات الجلسة المغلقة للمؤتمر، حسب مصادر المشاركين فيها، الى ان فكرة تشكيل المجلس الوطني لم تنضج نهائياً بعد، وأن تشكيله ما زال بحاجة لدراسة وافية، حتى ان عددا من الاطراف المشاركة طالبت بإرجاء إصدار الوثيقة السياسية لحين التوافق على كل الامور الشكلية التنظيمية والسياسية «ولتكون الوثيقة على مستوى خطورة الاوضاع التي يمر بها لبنان». لذلك وصفت مصادر المشاركين في الجلسة المغلقة الوثيقة السياسية بأنها «لازمة» لا بد من تكرارها، وهي لم تكن مصدر ارتياح لبعض المشاركين لأنها لن تتضمن نقلة نوعية بالخطاب السياسي العام والتفصيلي.
وتشير مصادر المشاركين إلى ان البعض استفسر مثلا عن سبب التحامل على «حزب الله»، بينما هناك مكون اساسي في «14 اذار» يحاوره بلا انقطاع، معتبرة ان مهلة الشهرين المعطاة للهيئة التحضيرية هي فترة سماح لمناقشة كل نقاط الخلاف العالقة في الشكل والمضمون،على إنشاء المجلس الوطني وعلى التوجه السياسي المقبل.
وتصف المصادر انعقاد مؤتمر «البيال» بأنه «بدل عن ضائع»، الضائع هوالمهرجان الشعبي الذي يتعذرعقده لاسباب كثيرة، والبدل هو المجلس الوطني الذي لا نعرف متى سيبصر النور.
لكن عضو «كتلة المستقبل» النائب الدكتور عمار حوري الذي شارك في المؤتمر، قال لـ «السفير»: إن المؤتمر شكل نقلة نوعية في عمل «14 اذار»، وكل شيء فيه جديد. اولا من حيث الوثيقة السياسية، فقد قدمت انتفاضة سلام على الحروب في الوطن وفي المنطقة. وتنظيمياً هناك خطوة متقدمة بتشكيل المجلس الوطني الذي تم الاتفاق عليه خلافاً لما يتردد، وخلال شهرين سنضع نظامه الداخلي وسيتم انتخاب اعضائه.
اضاف: حقق المؤتمر غرضه بإحداث استنهاض كبير لجمهور «14 اذار» الذي يضم في اغلبيته المستقلين وأركان المجتمع المدني اكثر من الحزبيين، والمؤتمر حافظ على استقطاب هذه النخب المستقلة. يعني ان المؤتمر قدم نقلة نوعية وترك بصمة جديدة ايجابية في عمل فريق «14 آذار» وفي العمل السياسي ستظهر خلال المرحلة المقبلة.