«يجب» أن تتحدث في (وتكتب عن) «القضايا الكبرى» وإلاّ فأنت تعيش في كوكب آخر. وما أدراك ما هي «القضايا الكبرى» وما هي القضايا غير الكبيرة! وبالتالي فإنّ الإعلام، عندنا، لم تعد له علاقة، غالب الأحيان، بشؤون الناس وشجونهم.
والقضايا الكبرى هي: الحرب في المنطقة، تقع أو لا تقع، يكون لبنان أحد المشاركين فيها أو الساحة التي تتلقى الضربات! وهي القمم الثلاث في مكة. والتهديدات الأميركية لإيران. وقرار طهران حضور القمة الإسلامية في مكة ولو من دون دعوة من البلد المضيف.
وهي الكيميائي في سوريا الذي عاد الكلام عليه مجدداً. وهي إدلب. والتوتر في العلاقات التركية – الأميركية على خلفية صواريخ الــ400 s الروسية. وهي مزارع شبعا وتلال كفرشوبا (…).
تلك عينة من «القضايا الكبرى» التي «يجب» أن نتحدث عنها ونكتب في أصولها وفصولها والفروع.
وأما القضايا الأصغر فــ»مش محرزة»! هكذا قال أحد المسؤولين في جلسة ضمت إليه بضعة أشخاص بينهم صحافي اعترض على التوصيف. وسأل: هل إنّ حال الناس الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية ليست «قضايا كبرى»؟!
هل إن أزمة النفايات المستمرة منذ بضع سنوات والمرشحة للانفلاش من جديد ببشاعة منظرها وكراهة رائحتها، ومضارها الصحية المؤكدة (…) ليست قضية كبرى؟!
هل ارتفاع المعيشة في لبنان نحو 4 في المئة ليس قضية كبرى، بما يرتب من أعباء فوق طاقة المستهلك اللبناني الذي تتضاءل قيمة مدخوله باستمرار، هذا إذا كان صاحب مدخول ثابت؟!
هل الاهتراء الضارب البنى التحتية ليس قضية كبرى؟!
هل التزوير في الشهادات العليا والوسطى والدنيا ليس قضية كبرى؟! وأصلاً هل تدهور المستوى التعليمي في لبنان ليس قضية كبرى في وقت «ينجح» (لاحظ كلمة ينجح) نحو 95 في المئة من طلاب الشهادة الثانوية؟!
هل تعذر العبور إلاّ بشق النفس من آخر نفق صائب سلام (باتجاه الروشة) يميناً نحو عين التينة فشارع ڤردان، ما يستغرق نحو نصف ساعة لبضع مئات من الأمتار هو قضية صغرى، أو إنه أساساً ليس بقضية؟!
هل إقفال المؤسسات التجارية والإفلاسات ليست قضية كبرى؟!
هل حوادث السير المروّعة التي تحصد الناس بالمئات وتتسبب لهم بالجروح والإعاقات بالآلاف ليست قضية كبرى؟!
يمكن الاسترسال طويلاً في الكلام على «القضايا الصغرى» ذات الصلة بالناس وقضاياهم ومصالحهم… إلاّ أننا نكتفي بالنذر اليسير الذي أشرنا إليها أعلاه لنقول ونعلن بالفم المليان إننا ننضم الى ذوي «القضايا الصغرى» في معاناتهم اليومية…