Site icon IMLebanon

الكبير يولد مبدعاً

بادر سياسي عريق صديقاً له: لماذا لا يكون المواطن مثالياً في العصمة، وحريصاً على الابتعاد عن الخطأ ما استطاع؟

وأجابه الصديق: لأن الوطن واحة حرية، وفيها امتحان بين الابداع والاسفاف.

لا أحد في البلد يتورع عن المخالفات، كما فيه أيضاً مواطنون يعتصمون بالاستقامة. والا لكانت سويسرا مثالاً يُحتذى في العفة والاستقامة.

في بداية القرن العشرين، كانوا يقولون إن لبنان هو سويسرا الشرق.

الا ان معظم البلدان أصابها ترف الشهرة، أو أصابها وباء التخلف.

دأب رجل عريق على الخوف والقلق على مصير لبنان، وراح يردد بأن غياب التقدم والازدهار، قد يدفعه الى الضياع.

وكلما اجتاحته عاصفة، أو أحاطت به فتنة، كان يقول إن البلد قد ضاع.

واذا كثرت فيه النزاعات، يجدونه ينشد حكاية: لا غالب ولا مغلوب.

ويضيف بأن اللبنانيين، يخافون أن يكون الغائب هذه المرة هو لبنان.

هذا على الصعد السياسية والانمائية، فماذا يحدث اذا ما تصدعت الأمور وانهارت في معظم الحالات؟

لماذا لا يحتفظ المواطن بحقه، ويترك حقوق سواه لسواه كاملة وغير منقوصة.

ذهب الأستاذ مارون عبود ذات مرة، الى مسؤول كبير، وطلب منه تنفيذ القانون في شأن عام.

ولا يعود أحد الى الشكوى.

وعندما تردد في تطبيق القانون، أجابه الناقد الكبير بأنه وصل الى مرتبته في المسؤولية لأنه كان مشهوداً له بالنزاهة والتجرد، فلماذا التردد في كبح جماح الأخطاء.

ورد الموظف بأنه ترك القانون جانباً، خوفاً من صولة النفوذ وقوة الزعامة والنفوذ ليبقى في مكانه.

عندئذٍ، نهض مارون عبود ليغادر، وبادره بأن الحق، كل الحق، مع سعيد فريحه، الذي جرّد سلاح القلم من مكانه، وجعله سيفاً قاطعاً على الظالمين، في حربه المستمرة على الفساد.

***

وصلت هذه الواقعة، الى مرجع بارز، وردد بأن الانسان يبقى كبيراً، وان الصغير لن يصبح كبيراً.

وأضاف بأن الأوطان، لا تقهر الفساد، إلاّ اذا ما قهرت فيها النفوس الصغيرة، وحلّت الجودة مكان الخوف في قلوب الموظفين والمواطنين.

هل لهذه الأسباب، هيمن الفساد في الدوائر الرسمية والخاصة؟

وهل كان لضمور النزاهة والتجرد، مبرر لإنتشار التطرف والتعصب؟

كان خطيب البرلمان المفوّه لويس أبو شرف، يخطب دائماً باسم المجلس النيابي، وكانت كلماته صوتاً يعلو ذوداً عن الحق.

وذات مرّة راح يعدّد مآثر النزاهة والشرف، فصرخ من بين الجمهور شاب، يطالب بمثيل له بين النواب، وأجاب بأن صوت الحق لا يخفت، على المدى الطويل، وان بدا أحياناً ضعيفاً.

***

هل ما يحدث الآن، على صعد الأمن، والسياسة والاقتصاد يطمئن أو يخيف؟.

الحقيقة، ان اللبنانيين يفتقدون الماضي برموزه والرجال، بمواهب الأفذاذ وصفات رجالاته، ولسان حالهم جميعاً ان النزاهة هي ضالة الجميع.

روى طه حسين ان نقاوة الضمير لا تتكرر في كل الفصول، ورأى ان الاستقامة طبع من طباع الانسان، تميزه عن سواه من الكائنات.

وفي كتابه بين بين قال طه حسين ان الكلمة الحرة، جعلته كاتباً، أقوى منه وزيراً للمعارف في جمهورية مصر العربية.