IMLebanon

«الأخ الأكبر» يحتضن جنبلاط

 

تحكم التحالفات الانتخابية في دائرة عاليه والشوف، جملة من التعقيدات الحسابية والسياسيّة، تصعّب على النائب وليد جنبلاط وعلى خصومه رسم مشهد متكامل عن صورة المعركة المرتقبة في الدائرة. ومع أن حزب الله يسعى إلى لمّ شمل حلفائه في لائحة واحدة في الدائرة، إلّا أن أحداً لا يشعر بأن معركة جديّة ستُخاض ضد جنبلاط، مع حرص حزب الله وحركة أمل على إخراج رئيس الاشتراكي بأقل الخسائرة الممكنة

بقدر ما كان النائب وليد جنبلاط خائفاً مما صوّره «خطراً وجودياً» يشكّله القانون الانتخابي الجديد على كتلته النيابية وزعامته، هو مرتاح الآن ومطمئن، ليس بفعل الأرقام طبعاً، بل بفعل أداء الأفرقاء الآخرين. فـ«الطبخات المحروقة» التي يعدّها الخصوم (حتى الآن)، والارتباك الذي يعانيه حلفاء جنبلاط المفترضون، يجعل منه الرابح الأكبر، ولو أنه سلّم أخيراً بخسارة نائبين أو ثلاثة من كتلة اللقاء الديموقراطي.

 

غير أن هذا الارتياح، الذي بدأ منذ تَمسَّك ثنائي حركة أمل وحزب الله بمطلب رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي الإبقاء على عاليه والشوف في دائرة انتخابية واحدة، يكمّله الثنائي باحتضان جنبلاط في بيروت وبعبدا، وبدرجة أقلّ في الشوف وعاليه.

ثمّة عقلية يتعامل بها الثنائي مع نائب الشوف، وتحديداً الرئيس نبيه بري، من الصعب على الحلفاء الدروز في 8 آذار تقبّلها، وهم يشعرون بأن الفرصة سانحة لتقليص تأثير الزعامة الجنبلاطية. وعقلية الثنائي هي ذاتها تلك التي تعاملت بها سوريا مع آل جنبلاط تاريخيّاً ومع الدروز اللبنانيين. فلدروز لبنان بُعد إقليمي، والحرص على دورهم السياسي يتعدّى «غدر» جنبلاط المتوقّع بحلفائه في أي مرحلة مفصليّة، إذا مالت دفّة التوازن أو شعر بـ«فائض قوّة». ومع ذلك، يصرّ الثنائي ومعه سوريا، على عدم تهديد تمثيله النيابي. سوريا هذه المرّة مشغولة بأمور أخرى، ولن تتدخّل في الانتخابات النيابيّة اللبنانية.

 

لكن التوازنات الدرزية اللبنانية تهمّ السوريين، لما لذلك من انعكاس على الواقع الدرزي في سوريا وفلسطين. ومع أن جنبلاط آذى سوريا كثيراً يوم حرّض المزاج الدرزي اللبناني عليها وعَبَثَ لاحقاً بأمن الجنوب السوري، إلّا أن السوريين يتفهّمون سياسة الثنائي تجاهه، لكن مع مراعاة دور رئيس الحزب الديموقراطي اللبناني النائب طلال أرسلان، وتولّيه زمام المفاوضات مع «غريمه»، في حال التحالف أو في حال المواجهة.

ويروي مرجع سوري لـ«الأخبار» كيف أن أرسلان هو من أبلغ جنبلاط عن لسان الرئيس بشّار الأسد الرؤية السورية حيال رئاسة الحكومة، عشيّة الاستشارات النيابية في بعبدا بعد إخراج الرئيس سعد الحريري من السرايا، وقبل تولّي الرئيس نجيب ميقاتي الرئاسة الثالثة. حينها، كان جنبلاط قد زار الأسد قبل يومين من موعد الاستشارات النيابية التي كان من المفترض أن يجريها الرئيس السابق ميشال سليمان. لم يسمع جنبلاط من الأسد موقفاً واضحاً، لكنّه سرعان ما تلقى، عبر أرسلان، موقف الرئيس السوري الرافض للحريري وضرورة البحث عن اسم بديل.

«تدليع» الثنائي لجنبلاط يزعج أرسلان، بلا شكّ، مع عزم الثنائي على عدم ترشيح أي درزي في بيروت بوجه مرشّح «الاشتراكي» النائب السابق فيصل الصايغ، «المنشق» عن أرسلان. بالإضافة إلى الاحتمال الكبير لتحالف الثنائي مع جنبلاط في بعبدا، فيحلّ مرشّحه الدرزي هادي أبو الحسن، في مقعد كان أرسلان يتوقع أن يكون من حصته، بعد أن ترشّح عنه النائب فادي الأعور قبل أن يترك الأخير «المير» ويلتحق بتكتل التغيير والإصلاح. فيما يحتل النائب أنور الخليل مقعد حاصبيا، التي لأرسلان تأثيره فيها. وبحسب معلومات «الأخبار»، فإن رئيس «الديموقراطي» بعث بشكواه مع أحد الوسطاء الإعلاميين إلى بري، ملمّحاً إلى أنه يتفهّم تقديم جنبلاط عليه، لكنّه لا يتفهّم «تكسير الآخرين» لمصلحة رئيس الاشتراكي. وفي فحوى الرسالة، ممارسة ضغوط على جنبلاط لسحب ترشيح الصايغ من بيروت، مقابل تحالف 8 آذار معه في دائرة بعبدا، على أن يُعلَن هذا التحالف من خلدة. خصوصاً أن المقعد الدرزي في بيروت، لم تعد نتيجته محسومة لمصلحة الصايغ، في ظلّ الحديث عن نيّة الإعلامية راغدة ضرغام الترشّح عنه ضمن تكتّل لـ«المجتمع المدني»، وما تمثّله ضرغام في السياسة من مواقف معادية لحزب الله.

لكنّ اللوم لا يقع على عاتق الثنائي وحده في عدم خوض مواجهة جديّة مع جنبلاط. فحزب الله، منذ أسابيع، يعمل بمسعىً جدّي لتشكيل لائحة في الشوف ــ عاليه تضمّ أرسلان والوزير السابق وئام وهّاب والحزب السوري القومي الاجتماعي وباقي الحلفاء في قوى 8 آذار، مع إمكانية انضمام التيّار الوطني الحرّ إلى تلك اللائحة. إلّا أنها تصطدم بعقبات كثيرة. أهمّ تلك العقبات هي المصالحة بين أرسلان ووهّاب. ثمّة ثقة مفقودة حتى الآن بينهما. فعلى الرغم من أن أرسلان أعلن انفتاحه على أي تحالف انتخابي، في إشارة إلى وهّاب، وإعلان وهّاب صراحة أن لا مانع لديه من الانضمام إلى كتلة أرسلان وتغريده أمس بأن «المير بيمون»، إلّا أن المصالحة تقف عند بعض الاعتبارات الشخصيّة، ولا سيّما خشية أرسلان من تعرّض وهّاب له شخصيّاً ولعائلته على المنابر الإعلامية في المستقبل. كذلك يخشى وهّاب يخشى دائماً من أن أرسلان يحاول الابتعاد عن مواجهة جنبلاط، خصوصاً أن ماكينة الاشتراكي تزعم أن وهّاب «خطر» على رئيس «الديموقراطي اللبناني» أكثر منه على جنبلاط. الأزمة الثانية تتمثّل بما يمكن أن يقدّمه أرسلان للقوميين على اللائحة. فهو كما يقول لـ«الأخبار» يتمسّك بترشيح مروان أبو فاضل عن المقعد الأرثوذوكسي في عاليه، و«رح أعمله معركته لمروان، مع إنه بعد ما أعلنت ترشيحه لحتى أترك باب التفاوض مفتوح، بالمبدأ أنا والقوميين بلائحة واحدة». ويرفض أرسلان التعليق على ما يحكى عن المصالحة مع وهّاب، «لا سلباً ولا إيجاباً»، مع تأكيده استمرار البحث في أي تحالف ممكن. يملك الحزب القومي قاعدة درزية في عاليه ومرشّحاً هو المنفّذ العام للحزب حسام العسراوي. لكن في حال التحالف العريض، يبحث القومي عن مرشّح أرثوذوكسي لا درزي. إلّا أنّ تمسّك أرسلان بأبو فاضل يقطع الطريق على القوميين ويدفعهم إلى البحث عن تحالفات أخرى.