Site icon IMLebanon

سياسة الحدّ من الخسائر

 

بعد التحوّلات الكبيرة التي حدثت في المنطقة التي بدأت في غزة، والزلزال المدمّر الذي ضرب لبنان إلى ما شهدته بلاد الشام من انقلاب أدّى إلى رحيل حزب البعث عن الحكم واستلام المعارضة الإسلامية وحلفائها مقاليد الأمور، بدأ الجميع يعدّ العدّة لمراجعة مواقفه والتكيّف مع الواقع الجديد، وبدا واضحاً أن كل المنطقة باتت مهيّأة للسقوط أو للعزل في أحسن الأحوال. وأصبح لزاماً على كل دول المحيط من طهران إلى بغداد أن تحسب ألف حساب لما سيحمله القادم من الأيام، ومع عودة نفوذ السلطنة العثمانية الجديدة بزعامة رجب الطيب أردوغان، وانحسار الدور الروسي في المنطقة إلى حد أصبح التخلّي عن موطئ القدم في المياه الدافئة وارداً، وبالتالي اندثار حلم الامبراطورة كاترين الكبرى التي أعلنت وجوب حصول روسيا على ميناء لأسطولها على البحر الأبيض المتوسط، هذه الأحداث التي أرغمت قيصر روسيا الجديد فلاديمير بوتين على التفكير جديّاً في انسحاب تكتيكي من سوريا، ونقل سفنه وقواته البحرية من طرطوس إلى شمالي أفريقيا وتحديداً ليبيا الواقعة في جنوبي البحر الأبيض المتوسط.

أميركا لاعب أكبر وحيد في العالم

كل هذه الأحداث لم يكن بالإمكان أن تتحقق لولا الولايات المتحدة الأميركية التي أصبحت تشكّل القوة الكبرى الوحيدة في العالم، فبعد انحسار الدور الروسي والمشاكل الكثيرة التي تعاني منها موسكو، لا سيما نتيجة الحرب الأوكرانية المفروضة عليها من قبل أميركا وحلفائها الأوروبيين والرزمة الهائلة من العقوبات، كل ذلك حدا بالقيصر إلى التفكير جديّاً بمصلحة روسيا أولاً والحؤول دون انجرارها إلى مواجهة نووية مع الغرب لا أحد يمكنه من التكهن بنتائجها المدمرة على العالم بأسره. هذه الحرب التي إن حصلت فمن شأنها تدمير العالم ومحو دول عديدة عن الخارطة الجغرافية. وربما كان رهان القيصر على استلام الرئيس المنتخب دونالد ترامب رسمياً مقاليد الأمور في البيت الأبيض، هذا الأخير الذي أعلن وفي أكثر من مناسبة عن نيّته في إنهاء الحرب في أوكرانيا والعمل بالطرق الدبلوماسية لحل النزاع.

إسرائيل الذراع العسكرية للشرق الأوسط الجديد

بعد هذه الحروب والمتغيّرات تبدو إسرائيل وكانها أصبحت الدولة الإقليمية الأقوى، بحيث يفاخر زعماء العدو بأنهم يقاتلون على سبع جبهات في آن معاً، من غزة إلى الضفة إلى لبنان إلى سوريا والعراق وإيران وصولاً إلى اليمن. ومن المؤكد أن الدولة العبرية لم يكن بإمكانها أن تقوم بهذه الحروب التدميرية وتضطلع بقيام الشرق الأوسط الجديد الذي أعلنه نتنياهو من على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة، لولا الدعم اللامحدود من قبل الولايات المتحدة الأميركية وكل الدول الغربية، حتى أن البنتاغون أعلن وفي أكثر من مناسبة بقيامه بشنّ ضربات جوية على أكثر من منطقة في الشرق الأوسط من سوريا إلى العراق وصولاً إلى اليمن على البحر الأحمر. وكان لافتاً ما قام به جيش الاحتلال الإسرائيلي بعد سقوط بشار الأسد، فشنّ أكثر من 400 غارة جوية استهدفت معظم البنى العسكرية للجيش السوري، وقامت قواته بتجاوز خطوط فض الاشتباك في الجولان والتمركز في المنطقة الفاصلة التي نص عليها هذا الاتفاق الموقّع في العام 1974 والذي أعطى بموجبه قوات حفظ السلام UNDOF الحق بالتمركز فيها. هذا وتبلغ مساحة الأراضي الجديدة التي وضعت إسرائيل يدها عليها في هضبة الجوالي حوالي 200 كم. وقد حدثت هذه العملية في الوقت الذي كان فيه النظام الجديد منشغلاً ببسط سلطته على الأرض وقمع التجاوزات والبدء بعملية إرساء الحكم الجديد، الذي أعلن رئيسه أحمد الشرع أو الجولاني من أن سوريا لا تريد الدخول في معارك ومواجهات لا قدرة لها عليها.

لبنان والرئاسة

في هذا الخضم يستعدّ لبنان لانتخاب رئيس للجمهورية في 9 يناير من العام المقبل، ويستعدّ الجميع إذا صدقت نواياهم لإتمام الاستحقاق، وأصبح واضحاً أن عمل رئيس المجلس سائر في هذا الاتجاه وذلك بغية الحد من الخسائر، إذ إن وجود رئيس جديد وحكومة جديدة مع ما يتطلبه ذلك من إصلاحات ورؤيا وطنية للحكم من شأنه تخفيف الضغط عن كاهل اللبنانيين أولاً، وإعطاء رسالة واضحة للعالم بأن لبنان سائر على طريق التعافي. وإذا كانت حظوظ الأمنيين تتقدم على غيرهم من المرشحين للرئاسة وذلك كون الغرب يحبذ التعامل مع العسكر الذي يعتبر أن المرحلة تتطلب ذلك، فإن بعض الأسماء التي تحظى باحترام كل اللبنانيين لها حظوظها. فالمطلوب أولاً وأخيراً وقف لعبة التجاذبات والجعدنات والعمل لكي يكون لنا رئيساً في 9 يناير، وذلك كي نستطيع من حماية البلد من المخاطر التي يمكن أن يتعرض لها.

* كاتب سياسي