البطاقة الانتخابية حل جزئي.. وتعميم الـ ٤٠٠ د ولار ينتظر عند ابواب المصارف
بدأت مظاهر الفوضى والفلتان تنتشر وتتعمّق في مختلف المناطق والقطاعات والمواقع، مع اشتداد الازمة الاقتصادية والمالية والمعيشية في ظل انسداد آفاق الحلول السياسية وغياب الدولة شبه الكلي.
ولعل ما حصل ويحصل في الايام القليلة الاخيرة، يعطي انطباعا واضحا عما يمكن ان تشهده البلاد في الايام والاسابيع القليلة المقبلة من تداعيات خطيرة في الشارع وعلى كل المستويات بشهادة وزير الداخلية الذي حذر من مضاعفات سلبية على الامن الاجتماعي في البلاد.
وفيما الازمة الحكومية تراوح مكانها في ظل الاستعصاء السياسي الحاصل، يبدو ان الدولة بمؤسساتها واداراتها آخذة بالتخلي عن دورها، ليس على صعيد مواجهة وفرملة الازمات المتلاحقة والمتفاقمة فحسب، بل ايضا على صعيد ادارة الازمة بالحد الادنى.
وبينما تشهد البلاد هذا الانزلاق نحو المجهول، يتصرف المسؤولون من اعلى السلطات الى ادنى الادارات على طريقة دفن الرؤوس في الرمال، مكتفين باخضاع البلاد والناس لحلول ارتجالية ترقيعية غير مضمونة التطبيق والنتائج، مثل مشروع البطاقة التمويلية التي لم تتبلور وتتحدد اطر تمويلها وحجم تغطيتها وتوقيت مباشرة العمل بها، وستكون هذه البطاقة البند الرئيسي على جدول اعمال الجلسة العامة للمجلس النيابي التي دعا الرئيس بري الى عقدها غدا وبعد غد الى جانب قانون الشراء العام وقوانين اخرى.
والمعلوم ان اللجان النيابية المشتركة انجزت درس مشروع البطاقة، وتوصلت الى صيغة عامة بتخصيص خمسمائة مليون دولار لتغطية ما يقارب الخمسماية الف عائلة، تحدد وفق منصة وزارية لاحقا بعد اقرار القانون، اما تمويل البطاقة فاقر على ان يكون سلفة من احتياطي مصرف لبنان، اي من اموال ودائع اللبنانيين، على امل سدادها من قروض البنك الدولي بعد تعديل وجهة استعمالها بموافقة البنك المذكور.
وتطرح علامات استفهام عديدة حول هذه الآلية التي لا تعرف ضماناتها، ما يتوقع ان يدور نقاش طويل حولها في جلسة المجلس، بالاضافة الى مسألة تسريع تطبيقها وسلامة عمل المنصة الخاصة بها، كي لا تتحول هذه المنصة الى منصة انتخابية.
وتطرح ايضا اسئلة عديدة حول فاعلية هذه الخطوة في ضوء رفع الدعم الذي بدأ فعليا اقله على المواد الغذائية بشكل كامل والمحروقات بشكل نسبي، بينما اصبح اكثر من ٦٠ في المئة من اللبنانيين تحت خط الفقر وفق دراسات وتقارير منظمات محلية ودولية مختصة.
ولا يقتصر الامر عند هذا الحد، ذلك ان ازمة الكهرباء والارتفاع الجنوني لاشتراكات المولدات، وفلتان الدولار صعودا وموجة الغلاء الفاحش والمتفلت..كل ذلك يؤكد ان مسار الانهيار بات يتجاوز كثيرا حدود فعالية البطاقة التمويلية وكل الحلول الترقيعية في ظل غياب الحل السياسي.
اما على الصعيد المصرفي، فان تعميم مصرف لبنان الاخير حول صرف ٤٠٠ دولار شهريا للمودعين، اضافة الى مبلغ مماثل بالعملة اللبنانية على اساس سعر صرف منصة المركزي (١٢٠٠٠ليرة)، فيبدو انه ما زال بالانتظار على ابواب المصارف التي سارعت الى توجيه استفسارات واسئلة الى المصرف المركزي حول ما وصفته بامور ادارية ولوجستية لتطبيق التعميم، وهي لم تبادر حتى الآن الى اتخاذ اي ترتيب بهذا الشأن بحجة انها لم تتلق اجوبة من مصرف لبنان، مع العلم ان تعميمه يقضي ببدء العمل به اعتبارا من اول تموز اي بعد غد الخميس.
ويقول مصدر اقتصادي ومالي مطلع ان عددا ملحوظا من المصارف ابدى استعداده لتطبيق التعميم، وهو مستعد لذلك، وان هناك بعض المصارف لم تبد بعد جوابا واضحا حول الموضوع، مع العلم ان تمنّعها عن تطبيق التعميم سيُعرّضها لخطوات وتدابير رادعة ،واشار الى ان الاسئلة التي وجهتها المصارف لمصرف لبنان هي تفصيلية غير اساسية، متوقعا ان يبدأ التطبيق الفعلي للتعميم في بحر تموز، وربما بعد اسبوعين.
وفي شأن الارتفاع الجنوني للدولار في الايام القليلة الاخيرة، قال المصدر ان جزءا من اسباب هذا الارتفاع هو سياسي بامتياز، مشيرا الى ازمة فقدان الثقة التي تؤثر بطبيعة الحال على الوضع المالي، واشار ايضا الى ان مسألة رفع الدعم احدثت اهتزازا وبلبلة كبيرة في السوق ومسألة العرض والطلب، لافتا في الوقت نفسه، الى ان الدولار يستخدم ايضا ولو بنسبة معينة ومحدودة في لعبة التجاذبات والتسخين السياسي، ويضاف الى ذلك ايضا عنصر شح كميات الدولار في البلاد بسبب الحصار الذي تعيشه منذ فترة طويلة.
وفي ظل هذا المشهد المتوتر والاسود ارتفعت وتيرة الاحتجاجات الشعبية في مختلف المناطق، وتواصلت اعمال قطع الطرق ولم تقتصر على منطقة دون اخرى، وسجلت حوادث امنية متصاعدة بسبب الازمة الحادة للمحروقات وطوابير الذل امام المحطات، واشتداد ازمة الكهرباء واشتراكات المولدات.
واقتصرت المعالجات الرسمية على طلب الرئيس ميشال عون من وزير الداخلية فتح وتنظيم توزيع البنزين في المحطات، آملا في تراجع الازمة خلال ٤٨ ساعة مع تطبيق التسعيرة الجديدة. بينما ترأس رئيس حكومة تصريف الاعمال اجتماعا لبحث الارتفاع الجنوني للدولار، وشن هجوما عنيفا على ما وصفه المنصات السوداء لتسعير الدولار، وانتهى كما في مرات سابقة الى الطلب من السلطات القضائية وقف منصات السوق السوداء وملاحقة الجهات التي تتلاعب بالدولار.
وفي ظل هذا العجز للسلطة تتوالى الاضرابات في القطاع العام الذي بات يعاني شللا كبيرا في ظل تفاقم الازمة، ما جعل مصادر وزارية تعترف بان الوضع من سيىء الى اسوأ بسبب التردي الكبير على صعيد الوضع المعيشي وازمة الكهرباء والمحروقات التي طاولت مختلف المرافق والادارات، واضافت ان الوضع بات لا يطاق، وان الاحتجاجات صارت هي السائدة، ويخشى من انفجار اجتماعي كبير لا يمكن التكهن بنتائجه.
وفي ضوء كل هذه التطورات الخطيرة، يبقى السؤال هل يمكن الاستمرار على هذا المنوال من دون الافراج عن الحكومة؟ برأي مصدر سياسي مطلع، ان هناك احتمالات عديدة، منها ان الحل يمكن ان يأتي لاستدراك الانفجار الكبير، لكن المعطيات المتوافرة حتى الآن لا تشي بان المسؤولين عن الازمة مستعدون لتعديل مواقفهم لصالح الحل، خصوصا انهم باتوا اسرى مواقفهم المتشددة وحساباتهم السياسية والشخصية.
ويضيف المصدر ان هناك كلاما بدأ يدور حول احتمال ان يأتي الحل من الخارج في ضوء وصول البلاد الى حافة انفجار كبير تتجاوز نتائجه وتداعياته لبنان. لكن هذا الحل لن يكون من خلال مؤتمر دولي كما طالب البطريرك الراعي، ولا من خلال مؤتمر على غرار مؤتمر الطائف الذي كان له ظروفه، ربما يكون الحل من خلال تدخلات اقليمية ودولية ضاغطة على الاطراف اللبنانية لانتاج تسوية الحكومة وبرنامجها الاصلاحي.
فهل يحصل الحل داخليا او بصغوط اضافية من الخارج قبل فوات الاوان والانفجار الكبير؟