لا يكاد يمر أسبوع، كي لا نقول لا يمر يوم، من دون أن نستمع الى الرئيس الأميركي دونالد ترامب أو أي مسؤول في إدارته، على مختلف المستويات، يوجّه الإنذارات “بالجملة والمفرّق” الى غير جهة أو دولة أو فئة في المنطقة والعالم، ويهمنا، هنا، الإنذارات والتهديدات الموجّهة الى النظام السوري الذي لو جمعنا ما تلقى من تهديدات لوجدنا كمّاً هائلاً… أما لو بحثنا عن التنفيذ فالنتيجة صفر!
ومنذ أن بدأ هذا الفصل المأساوي من الحرب السورية بالهجوم الوحشي الذي يشنّه النظام على الغوطة، قبل أسابيع، يصدمنا ما يصدر عن واشنطن من تهديدات متواصلة للمجرم وأتباعه الذين كلّما ازداد التلويح الاميركي بضربهم كلّما أمعنوا قتلاً وارتكاباً للمجازر، وتدميراً، وتسبّباً بالفظائع الرهيبة التي قلّما شهد التاريخ أمثالاً لها… أضف الى ذلك اللجوء، شبه اليومي، من النظام الى استخدام الأسلحة الكيميائية والغازات السامة والهدف إيقاع أكبر عدد من الإصابات القاتلة وإلحاق الأذى المميت بالمجموعات وليس بالأفراد وحسب.
كتبنا غير مرة، كيف أنّ الرئيس الأميركي السابق، سيّئ الذكر، باراك أوباما أدّى من حيث يدري أو لا يدري (والأرجح من حيث يدري) الى إضعاف موقف ودور بلده وتنامي الدور الروسي، من خلال مواقفه المتذبذبة على الساحة السورية… فما زال ماثلاً في الأذهان إعلانه أنه سيوجّه ضربة قاصمة للنظام السوري، وبلغ به الأمر حدّ الكلام حرفياً عن “أيام بشار في السلطة باتت معدودة”… فماذا كانت النتيجة؟ الجميع يعرفها.
وهل يفوتنا أن نذكّر بالأساطيل الأميركية، بما فيها حاملات الطائرات وقاذفات الصواريخ والغوّاصة التي جاءت ترابط قبالة الشاطئ السوري، في عرض البحر، مع إشعارٍ كان يتكرّر باستمرار: “القصف خلال ساعات… الضربة وشيكة… الضربة ستكون قاضية” الخ… والسبب أنّ النظام يقصف شعبه بالسلاح الكيماوي… وكان قد ثبت ارتكاب النظام تلك الفعلة الشنيعة!
ثم، وفجأة، حلّ الوحي على أوباما فعقد اتفاقاً مع القيصر الروسي ڤلاديمير بوتين على قاعدة أن تتولّى موسكو سحب السلاح الكيميائي من الأراضي السورية وتتولّى تدميره في الخارج!
هكذا ببساطة مذهلة… وكأنّ الحرب انتهت… وكأنّ أعمال الإجرام والقتل والدمار قد توقفت كلها… وكأنّ الشعب السوري بات آمناً… وكأنّ النازحين عادوا بالملايين من النزوح الخارجي والتهجير الداخلي!
وبدأ النفوذ الاميركي في المنطقة كلها ينحسر مقابل امتداد النفوذ الروسي بما يذكّر بدور موسكو زمن كانت عاصمة للاتحاد السوڤياتي!
وإذا كان الشيء بالشيء يذكر، فلا بدّ من مقارنة سريعة بين باراك أوباما، وجورج بوش الذي تذرّع بأنّ العراق يملك سلاح الدمار الشامل، وبأنّه “يستضيف” “القاعدة”، وبأنّه يحتاج الى من يعلّمه أصول الديموقراطية، وبالتالي لا بدّ من غزوه! فكانت الغزوة الكبرى للعراق في 2003 مع ما ترتب عليها من تداعيات ومآسٍ بدءًا بحل الجيش العراقي الى ما لا يزال العراق يشهده حتى اليوم من كوارث وأعمال إرهابية.
مع فارق بسيط أنّ العراق لم يكن فيه أي أثر لسلاح الدمار الشامل، ولا أي عنصر من “القاعدة” بشهادة رئيس الــC.I.A في ذلك الحين “جورج تنيت” الذي قال في مذكراته إنّه أكد لجورج بوش خطأ الذرائع المزعومة قبل الغزو… ولكنه لم يستمع، ونفّذ قراره ولو على خطأ، بينما باراك أوباما تراجع علماً أنّ السبب الموجب كان واضحاً ومعلناً حتى من الأمم المتحدة والمؤسّسات الإنسانية العالمية قاطبة.
عوني الكعكي