IMLebanon

«مقاوم كبير»..

 

أمّا وأنّ بشّار الأسد، هو «قائد ومقاوِم كبير». وسوريا (بفضله طبعاً) «تتصدّر اليوم خط المواجهة، وعلينا أن ندعم صمودها»! على ما يرى «المُرشد» في الجمهورية الإيرانية، فإن ذلك من طبائع هذه الدنيا ويقينياتها التامّة! وما كان ذلك ليحتاج إلى شهادة رفيعة المستوى مثل هذه، لتثبيت الثابت وتأكيد المؤكد والذهاب بعد ذلك فوراً، إلى الاطمئنان الحاسم، للغد العام والخاص. أي ذلك المتّصل بـ«الأمّة» جمعاء، ثم المتّصل بالأفراد والجماعات والكيانات المضبوبة في ثنايا هذه «الأمّة»!؟ على حدّ سواء!

 

لكن، يمكن الاستدراك بعض الشيء. والاستناد في ذلك إلى بعض الأمور «الهامشية» و«التافهة» لمحاولة تبيان «بعض الخلل» في توصيف «المقاوِم الكبير» بشّار الأسد وقيادته «تصدّر سوريا خط المواجهة»..

 

ومن تلك الهوامش والتوافه، أن النظام الأسدي غداة حرب العام 1973 «الأخيرة»، نسي أن لديه أراضي محتلّة منذ العام 1967 في مرتفعات الجولان. ثم فرض على الجميع ذلك النسيان. ثم منع بموجب قانون الذاكرة العرجاء هذا، إطلاق رصاصة واحدة باتجاه «العدو الغاشم»، أو محاولة «التفكير» بأي فعل «مقاوِم» هناك، ولو تعلّق ذلك الشطط بحمل بارودة صيد، ليس في محيط القنيطرة المحتلة مثلاً، إنّما صعوداً من ضواحي دمشق الجنوبية وصولاً إلى الحدود!

 

ثمّ أن هذا «المقاوِم الكبير» على ما تبيّن على مدى السنوات السبع الماضيات الكالحات، فرض نمطاً جديداً من «المقاومة» بشرياً وجغرافياً، ولم يوفّر شيئاً في سبيل تأكيده وتثبيته: راح في كل الاتجاهات ما عدا المرتفعات الجنوبية المحتلة! ودأب ويدأب على «تحرير» سوريا من أهلها بدلاً من أن يتنطّح لـ«تحرير» الجولان! وارتأى ولا يزال، أن «مقاومة» غالبية الشعب السوري وتوقها إلى التحرّر من نظامه المافيوزي الفئوي، أولى وأهم وأسلم من «مقاومة» الإسرائيليين! ثمّ أن الأمور «السيادية» نسبية في حساباته وليست مقدّسة ولا مبدئية. أي يمكن الإسرائيلي أن يكون مقبولاً عنده ولديه طالما أنه متمسّك بتفاهم المنفعة المتبادلة. أي تبقى إسرائيل عند موقفها الرافض لسقوط بقايا السلطة الأسدية، في مقابل بقاء هذه البقايا أو محاولة البقاء والإبقاء على أبرز وظائفها بـ«حماية» الاحتلال من أي حركة معادية! أو حركشة غير مأنوسة! أو محاولة التطفّل أو إزعاج قانون «ضمّ الجولان» إلى «الأراضي» الإسرائيلية الذي أقرّته الكنيست أيام مناحيم بيغن قبل نحو أربعة عقود من اليوم!

 

ثم أن الأتراك يمكنهم أن يثبّتوا سيطرتهم على الشريط الحدودي المحاذي لهم داخل الأراضي السورية، من دون أي إزعاج لو أنهم (فقط!) يغيّرون موقفهم المعادي للحكم الأسدي! وكذا الحال بالنسبة إلى الأميركيين مع استطراد إضافي موازٍ لوزنهم وقدراتهم. وبدلاً من عشرين قاعدة في شرق الفرات، يمكنهم التخييم حتى في باحات «قصر المهاجرين» لو أنهم (فقط!) يكفّون عن اللغو بالمواقف المضادّة للساكن في ذلك القصر!

 

والباقي تحصيل حاصل: تأخذ روسيا حميميم وطرطوس وغيرهما، ونفوذاً مفتوحاً على الجيش (أو ما بقي منه) وعلى القرارات الكبيرة ميدانياً وسياسياً طالما أنها مُلتزمة الدفاع عن بقايا السلطة! وتأخذ إيران وميليشياتها الآتية من لبنان والعراق وأفغانستان وباكستان، ما تشاء وتقدر عليه من مواقع ودساكر ومساحات في دمشق وضواحيها وريفها. وفي حمص وجوارها. وحلب وأريافها. وتدمر وصحرائها. وحماه ومحيطها.. والساحل الشمالي بكل تضاريسه. وتأخذ فوق ذلك نفوذاً حاسماً على المواقع «السيادية» الأمنية والسياسية والعسكرية تقاسماً مع الروس، طالما أنها تعتبر الاسد «مقاوِماً» كبيراً! وتتعهّد بمواصلة دعمه باعتبار أنه «يتصدّر خط المواجهة»!

 

والأكيد العنيد هو أن بشّار الأسد مستعد لإعطاء القبارصة مثلاً ما يريدونه في أرض سوريا، إذا جاؤوا لنصرته! ومستعد لأن يعطي حتى التشاديين الأفارقة «الامتيازات» نفسها وأكثر، إذا هبّوا للاصطفاف خلفه في «المقاومة»! خصوصاً وأن طريقهم مفتوحة بعد زوال عقبتي العقيد الراحل معمر القذافي وعدوّه حسين حبري!

 

أمّا عن السوريين، فإنه يدأب وبجهد مميّز، على «إعطائهم» كل ما في مخازنه من قذائف وصواريخ وبراميل وكيماوي ورصاص! ولا يوفّر شيئاً في سبيل إتمام نكبتهم، بالقتل والتهجير والمعس والتشريد والترميد.. وبمنتهى الأريحية والرحابة!

 

نعم! في مقاييس «الممانعة» وأوزانها وقيمها، أن رئيس سوريا السابق هو «قائد ومقاوِم كبير»! وسوريا (بفضله مجدداً) «تتصدّر خط المواجهة»! ولا داعي بعد ذلك، لأي كلام إضافي!