IMLebanon

الرد الكبير: المقاومة من الجولان إلى الجليل

يوم الجمعة المقبل، يطلّ الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله لإعلان الموقف إزاء العدوان الإسرائيلي الذي استهدف مقاومين لبنانيين وإيرانيين في الجولان. ماذا سيقول السيّد؟

حقّ الردّ مكفول؛ بل معترف به من قبل الإسرائيليين انفسهم، ويظهر انهم يستعدون لابتلاع ضربة في حدود قواعد الاشتباك المرعية، أي عدم المساس بالمدنيين. هذا «التنازل» تعرضه تل أبيب، عبر الروس وعلنا. وهو ما يشير خلاصة مراجعة حسابات، انتهت إلى ان المصالح الإسرائيلية ـــ والأميركية بالأساس ــــ تقتضي الحفاظ على الستاتيكو القائم، حتى لو كانت الفاتورة: ضربة مقابل ضربة.

السيّد سيرد على هذا العرض أولاً: الضربة المضادة هي حقنا. وهي ستأتي ـــ في زمانها وحجمها ــــ وفق ما تقرره المقاومة؛ لكن الستاتيكو القائم، أصبح من الماضي، ولم يعد يعبّر عن مصالح محور المقاومة. اللحظة، بالفعل، مفصلية؛ فإذا لم يجر الانتقال من الدفاع إلى الهجوم، في أقرب وقت، فإن المرحلة المقبلة، ستكون مرحلة استنزاف للدولة السورية وحزب الله معاً.

في الواقع أن ما تمّ إنجازه، حتى الآن في سوريا، لا يتعدى حدود الصمود والثبات وتلافي الأخطار، لكنها مرحلة انتهت.

بالنسبة للدولة السورية، أصبح استمرار الحرب لفترة أطول، مخاطرة مزدوجة؛ فمن جهة، هناك الخشية من تفكك الكتلة الاجتماعية الوطنية التي تشكّلت لحماية الجمهورية في أتون الحرب، ومن جهة أخرى، ربما تحوّل التطورات اللاحقة في الصراع الإقليمي والدولي، التراجع الأميركي إلى عدوان، مباشر أو عبر أطراف إقليمية. إلى ذلك، فإن استمرار الحرب على وتيرتها الحالية، سيقود إلى الاعتياد على حالة التقسيم الميداني للبلاد، وما يستتبعه من مخاطر بعيدة المدى.

تقف الدولة السورية، اليوم، أمام استحقاق الحسم غير القابل للتأجيل، وهو ما يتطلب التصعيد، فحين يهدد الإرهابي، زهران علّوش، بقصف دمشق مجدداً، وينفذ تهديده بالفعل، نكون قد عدنا إلى المربع الاول. ولا يكفي الردّ على التهديد الإرهابي بتهديد عسكري؛ تنبغي مواجهته على الفور، وبالشدّة اللازمة لشطب الآثار النفسية السياسية للتطاول الإرهابي على العاصمة.

غير أن الفباء التحليل الاستراتيجي يقودنا إلى أن الحسم، بالنسبة للدولة السورية، يتم باستعادة دورها الإقليمي؛ يتطلب ذلك تجديد الاعتراف العربي والإقليمي والدولي بذلك الدور، ما يفتح الباب أمام وقف الحرب الداخلية، وتفكيك الجماعات المسلحة، وفرض الأمن والقانون في جميع أنحاء الجمهورية. وفي هذا السياق، فقط، يمكن استيعاب قوى المعارضة الوطنية.

استعادة الدور الإقليمي السوري له معبر إجباري واحد، هو الاشتباك مع إسرائيل. هنا، يلعب حزب الله، دوره الأهم في سوريا، ولمصلحة سوريا؛ بما يعني تشبيك ثلاث مناطق، مترابطة، جغرافيا وميدانياً، هي: جنوب لبنان والجولان والجليل.

من تجليات مكر التاريخ أن تنجرّ قوة وازنة مسيطرة، إلى اغراء ضربة تكتيكية، تضعفها استراتيجياً؛ هذا ما فعلته إسرائيل، حين استجابت لإغراء اغتيال مقاومين لبنانيين وجنرال إيراني في الجولان؛ بذلك، خرقت اتفاق 1974 مع سوريا، وتفاهم توازن الردع مع حزب الله، واشتبكت، مباشرة، مع إيران. وبالنتيجة، قدمت إسرائيل، اعترافاً بالحضور السياسي والميداني لمحور المقاومة في الجولان. وهذا ما تحاول تداركه من خلال عرضها: ضربة مقابل ضربة.

في طلّته المقبلة، لن يكرر السيّد، الموقف القائل بحقّ الردّ؛ فهذا الإعلان قديم، تماماً مثل الإعلان عن الاستجابة لقرار الرئيس بشار الأسد بفتح جبهة الجولان للمقاومة الشعبية، فقد سبق للسيّد أن أوضح أن حزب الله مستعدّ لتدريب سوريين، ونقل خبراته إلى فصائل مقاومة سورية إلخ، لكنه لم يقل إن الجولان هي «منطقة عمليات» لحزب الله في مقاومة إسرائيل، تماماً كما كان جنوب لبنان، سابقاً، وكما سيكون الجليل، لاحقاً.

بالأساس، أصبح حزب الله، الحاضر في لبنان وسوريا والعراق مباشرة، وفي فلسطين من خلال دعم مقاومتها، مضطراً لتسويغ فائض قوته، وتحوّله إلى قوة إقليمية أساسيّة، هي أكبر، كثيراً، من لبنان، ومن احتياجاته الدفاعية؛ ذلك الاضطرار يقود حزب الله، موضوعياً إلى الجليل.

اقتحام المقاومة للجليل له، بالطبع، غطاء قومي وأخلاقي، لكن ليس له غطاء دولي ولا حيثية ميدانية. إسرائيل هي التي قدمت ذلك الغطاء وتلك الحيثية بعدوانها على الحزب في الجولان؛ فربطت بينه وبين الجنوب اللبناني، سياسياً، وسوّغت الردّ داخل الأراضي الفلسطينية المغتصبة. وهو ردّ غير ممكن عسكرياً، من دون حضور الحزب في مرتفعات الجولان، المطلة، مباشرة، على منطقة العمليات في الجليل.

كسر الحدود بين لبنان وسوريا وفلسطين في مثلث مناطق المقاومة، الجنوب اللبناني والهضبة السورية والجليل الفلسطيني، هو الردّ الاستراتيجي، ليس فقط، على العدوانية الإسرائيلية، وإنما، أيضاً، على العدوان الإمبريالي ــــ الرجعي ــــ الإرهابي المستمر منذ أربع سنوات على سوريا. وهو أيضاً، رد تاريخي على سايكس بيكو، ليس في خدمة تركيا وإسرائيل، كما تفعل «داعش» و»النصرة»، وإنما في مواجهة «بيت العنكبوت» الصهيوني، والهيمنة الغربية على بلادنا.

الطريق إلى الجليل صعب وطويل وشائك، لكن لم يعد هنالك من بديل.