في ساحة الشهيد المفتي الشيخ حسن خالد، عُلّقت لافتة كبيرة، كُتب عليها «كلّنا سعد رفيق الحريري». في شوارع طريق الجديدة، رُفعت لافتات مؤيدة ومتضامنة مع الحريري، وإن بأعدادٍ قليلة، معظمها وُضع بعد الاستقالة، وبعضها لا يزال مرفوعاً منذ عودته رئيساً للحكومة. كل شيء في المنطقة، اليوم، يشبه سعد الحريري أو «حالة سعد الحريري التلفزيونية»: انتظار العودة. صحيح أن اللافتات لا تزال خجولة، لكن مواقف النّاس تغيّرت عمّا قبل مقابلة الحريري ليل الأحد، في المنطقة التي اقترن اسمها بـ«ابن الشهيد» في الشعار الشهير: «الله، حريري، طريق الجديدة». عندما أعلن رئيس الحكومة استقالته المفاجئة في الرابع من الشهر الجاري، أيّد بعضهم الاستقالة، وهذا طبيعي في بلد يؤيّد فيه الناس أي موقف لزعمائهم، رغم أن الأجواء كانت «ضبابية» و«ما حدا عارف شي بعد»، كما يقول أحد المواطنين الذين سألناهم. لكن، بعد المقابلة، الجميع، تقريباً، لديهم مطلب وحيد: عودة رئيس تيار المستقبل إلى لبنان، وفي مرحلة لاحقة عودته عن استقالته.
في جولة صغيرة، في الشارع الرئيسي، كل من تسأله يقول إنه «مع سعد». ينتظرونه، ولكن بريبة هذه المرة. قرب الملعب البلدي، سألنا رجلاً يعرف «خبايا» المنطقة وأمزجة أهلها، فأكد لنا أن الانطباع العام هو أن الحريري «يرغب بالعودة». يتجنب الحديث عن السعودية مباشرةً، واتهامها باحتجاز الحريري…
«بس القصة كبيرة»، يقول. يبدو الجميع هنا متفقين على أنّ الحريري «مغلوب على أمره»، ويتعرّض للضغوط. في طريق الجديدة، ينتظرونه أكثر من غيرهم ويجب أن يكون هذا مفهوماً، فنحن في لبنان. يعتبرون أنهم معنيون بالغياب، وبتظهير الانتظار. لكن، ليس لديهم أي «حيلة» للتظهير سوى بالهمس. «بالتأكيد سنتظاهر إذا طلب منّا ذلك»، يقول أحد الشبان، من على دراجته النارية، بلهجةٍ واثقة. نسأله عن إمكانية التظاهر من دون أن يطلب الحريري ذلك، فيجيب متذمراً: «مين قصدك؟». آراء ناس طريق الجديدة متباينة حول «خلفاء» الحريري في قيادة التيار، لكن بعودته، يصبح هو «الزعيم».
عموماً، لا شيء استثنائياً. الحركة طبيعية. المحال مفتوحة، تنتظر زبائنها. لا شيء يُذكر عن أي توتّر كالذي حصل بعد الاستقالة مباشرة. وإن كان ذلك التوتر ليس توتراً بالمعنى الدقيق للكلمة. الاستنفار كان سببه الارتباك، وسرعان ما اتضح لسكان المنطقة أن الحريري نفسه لا يرغب بتوتير الأمور، وأنه ــــ مثلهم ــــ ينتظر العودة.
أعادوا الكرّة بعد المقابلة: تجمعات عفوية لشبان يرغبون في فهم ماذا يفعل سعد الحريري في الرياض، من دون أن يلغي ذلك استمرار اعتراضهم على خصومه في لبنان. ويبدو أن لهجة الحريري، في المقابلة، ساهمت في عدم ظهور أي توتر في الشارع. ستسمع عبارات كثيرة من نوع «كلنا الشيخ سعد» و«لا يصح إلا الصحيح» و«قائد الوطن وحاميه»، وأحياناً «معك إلى الأبد». الناس لا تبادر إلى الحديث عن صدام، وغير متحمسة لذلك، طالما أن الحريري نفسه ليس متحمساً. وفي ظرف استثنائي كهذا، يحسب هذا للطرفين: للهجة سعد الحريري «الهادئة»، ولعدم استجابة مناصريه لأي دعوات «عدائية» مجانية.
الجميع ينتظر العودة. وما يجعل «الجماهير»، ترغب بذلك هو الرغبة في الفهم، أو في الوصول إلى إجابة جديّة عن حالة رئيس الحكومة، وتالياً حالة البلاد… «شو منعمل بلا رئيس حكومة؟» تسأل سيدة سألناها أثناء انتظارها الحافلة على الرصيف. تخبرنا أنها متجهة إلى طرابلس… وأن «هونيك متل هون». «كيف يعني»، نسألها، فتجيب ممازحة، أن طريق الجديدة تعدّ المنطقة الأكثر وفاءً للحريري، لكن طرابلس مختلفة قليلاً، وتعقب: «في طرابلس الفقر أكثر من هنا». وهذه نقطة تحتاج إلى بحث آخر. ما نعرفه، بعد الجولة، أن سكان طريق الجديدة لم يسجّلوا موقفاً مبالغاً فيه، لكن النقاشات بينهم عن «عودة سعد»، لا تهدأ.