IMLebanon

«كلام كبير» واعترافات في ملف النازحين

هل كان مطلوباً الصمت 5 سنوات على تدفّق النازحين السوريين إلى لبنان لكي يُسمع البعض وهو يعترف بالمخاطر الكيانية التي ينذر بها هذا الملف؟ المشكلة هي أنّ ما كان يمكن القيام به لتجنّب الأزمة، عندما كان النازحون 30 ألفاً أو 40 ألفاً بات شبه مستحيل عندما صاروا 1.8 مليون نسمة، أي بمقدار ثلث الشعب اللبناني، وعندما أصبحوا مع نحو 600 ألف فلسطيني يقاربون النصف!

على طاولة المؤتمر الذي خصّصته الرابطة المارونية لملف النازحين السوريين، سُمِع كلامٌ كبير، هو الأول من نوعه. واستطاعت الرابطة فتح نقاش صريح حول الملف والإضاءة على الأرقام والوقائع والتوقّعات، ولكنها خصوصاً استطاعت استدراج القوى السياسية ودفعها إلى إعلان مواقف ذات مستوى عالٍ من الوضوح، فيما بقيت حتى اليوم تفضِّل التهرُّب.

مِن «الكلام الكبير» خلال المؤتمر:

1 – تحاول دول أوروبية إبعاد اللاجئين السوريين المقيمين فيها، لأنهم يهدّدون الأمن فيها، وإعادتهم إلى دول في الشرق الأوسط. وتستخدم هذه الدول لهذه الغاية وسائل ضغط وتخويف للنازحين أحياناً. وإذا تحقّق لها ذلك، فسيكون لبنان مرشحاً أكثر من الأردن وتركيا وسواهما لاستقبال العدد الأكبر منهم، نظراً إلى عدم وجود أيّ ضوابط حقيقية لإقامة النازح فيه.

وهذا الكلام الذي يجري تداوله للمرة الأولى يُرعب ذوي الشأن في لبنان الذي سيصبح محطة للنازحين الوافدين إليه أيضاً من الغرب، فيما هو يعاني من تدفّق النازحين من الشرق.

ويتخذ هذا الكلام طابعاً جدّياً لأنه يتقاطع مع الضغوط الخفيّة والجليّة التي تمارسها دول أوروبية على لبنان لتطبيع إقامة النازحين فيه، بدءاً بتوقيع اتفاقية جنيف للاجئين في العام 1951، مروراً بما سماه البعض في المؤتمر «عمليات الابتزاز التي تمارسها الأمم المتحدة» والتي عبّر عنها الأمين العام بان كي مون والموفد إلى سوريا ستيفان دي ميستورا، والتي تشترط تطبيع إقامة النازحين في مقابل حصول لبنان على الدعم الذي يحتاج إليه.

ومن الكلام الكبير أيضاً أنّ مؤسسات تابعة للأمم المتحدة أوعزت مراراً إلى النازحين الراغبين بمغادرة لبنان والعودة إلى سوريا بأن يبقوا في مناطق نزوحهم في لبنان لأنهم لن يكونوا في وضع آمن في بلادهم!

2 – إستطراداً، كشفت القوى الاقتصادية أنها أيضاً، كما مصرف لبنان، تعرّضت لضغوط دولية وابتزاز صريح من الأمم المتحدة والدول المانحة، مورست عليها لتطبيع عمل السوريين في المؤسسات اللبنانية بحيث تشملهم بقوانين الإقامة والعمل السارية على اللبنانيين. وقد قوبل هذا الطلب بالرفض.

ومعلومٌ أنّ حاكم المصرف المركزي الدكتور رياض سلامة تصدّى لهذا الطرح في ما يتعلق بتسهيلات للقطاع المصرفي، مقابل تطبيع المؤسسات التجارية والسياحية والصناعية والزراعية اللبنانية لعمل السوريين.

3 – الكلام الأمني الكبير هو الذي قاله بعض الذين كانوا معنيين بالملف الأمني في بعض المراحل: من أصل 1.8 مليون نازح في لبنان، ربما يكون هناك نحو 300 ألف رجل بين عمر الـ18 سنة والـ50 سنة. وقسم كبير من هؤلاء سبق له أن أجرى تدريبات الخدمة العسكرية الإجبارية في بلده. ولذلك، هو مؤهّل لاستخدام السلاح.

ويعتقد أصحاب هذا الكلام أنّ نحو 40% من هؤلاء القادرين على استخدام السلاح يوالون نظام الرئيس بشّار الأسد فيما الآخرون يتعاطفون مع قوى مناوئة له. ولذلك، هناك خشية من اندلاع مواجهات سورية- سورية في لبنان، في مرحلة معيّنة من الحرب السورية، خصوصاً بعد معركة حلب، وقد ينضمّ لبنانيون إلى هذا الطرف أو ذاك.

ويرى هؤلاء أنّ قوى مختلفة قد تجد مصلحة في تفجير الوضع بين النازحين السوريين، أو تشغيل بعضهم لهزّ استقرار لبنان، ومنهم «داعش» التي أجمع العديد من المشاركين على أنها باتت شركة تنفِّذ المهمّات المطلوبة، ومنهم طبعاً إسرائيل. وتالياً، إنّ وجود النازحين هو اليوم أشدّ خطراً على لبنان وكيانه من الجيش السوري الذي انسحب في العام 2005.

وسأل ممثل الحزب الإشتراكي عن خلفيات العفو الشامل عن مجرمين الذي أصدره الأسد في أواخر 2011 ومطلع 2012 والهروب الجماعي لنحو 1000 من عُتاة المجرمين من سجن بو غريب. وسأل عما إذا كان ذلك قد رفد البيئة النازحة بمجموعات منهم؟

4 – المفاجئ هو ما أورده البعض على الطاولة نتائج دراسة جرت في الجامعة الأميركية في بيروت تشير إلى أنّ 83% من السوريين النازحين يقيمون في شقق وأبنية قيد الإنشاء وبيوت زراعية ومستودعات، أي أنّ 17% فقط منهم يقيمون في مخيمات للنازحين. إذاً، هل إنّ هؤلاء نازحون أم عمال، وما هي مسؤولية السلطات اللبنانية في التعاطي مع هذا الواقع وفرز النازح عن العامل والبناء على هذا الأساس؟

وأشارت دراسة الباحث ربيع الهبر إلى أنّ 40% من النازحين السوريين جاؤوا من مناطق سورية غير مشمولة بالقتال، ما يعني أنّ نصف الذين يطلق عليهم في لبنان تسمية «النازحين» هم عملياً «نازحون إجتماعيون».

5 – وما لا يعرفه كثيرون هو أنّ تدفّق النازحين استعاد نشاطه الملحوظ في الفترة الأخيرة، بعدما تراجع نسبياً في مطلع العام الفائت، في ضوء الإجراءات المشدّدة التي اتخذها لبنان في تلك الفترة. فلماذا عاد التدفق، وبأيّ نسبة، عبر أيّ منافذ، ومَن المسؤول؟

وإذ أجمع المشاركون على أنّ الأرقام الواردة في تقارير المفوّضية السامية للاجئين أدنى من الأرقام الحقيقية، لأسباب مختلفة، فإنّ هذه الأرقام كارثية بالنسبة إلى لبنان وحصّته في تحمّل المسؤوليات عن النزوح، نسبة إلى عدد السكان:.

لبنان 26%

الأردن 9.5%

تركيا 3%

مصر والعراق أقل من 1%

دول الخليج العربي 0%

فلبنان وصل اليوم إلى عدد السكان الذي كانت الدراسات تقدِّر أن يبلغه في العام 2030، ما أوقعه في العجز المبكر على مختلف المستويات. والكثافة السكانية هي اليوم في لبنان 600 نسمة في الكيلومتر المربع، وهي تشكّل مأزقاً حقيقياً له.

ومنعاً لأيّ اتهام بالعنصرية، طرح البعض السؤال الأتي: ماذا يحلّ بلبنان إذا وفد إليه فجأة، ودفعة واحدة، مليون ونصف المليون من أبنائه المقيمين في الخارج- لا من النازحين السوريين- ألا يقع في مأزق اقتصادي واجتماعي خانق؟

6 – تحت عنوان العنصرية، جرى قمع البلديات التي حاولت القيام بدورها الذي ينصّ عليه القانون في إحصاء النازحين وتنظيم إقامتهم وعملهم ومراقبتهم أمنياً. وهذا القمع أرهَب البلديات وعطّلل دورها الذي يتكامل مع دور المؤسسات والأجهزة الأخرى. فمن مصلحة مَن، ولمصلحة مَن يجري قمع البلديات بدل تشجيعها؟

7 – الكلام الكبير، الإيجابي، الذي صدر عن ممثل تيار «المستقبل» النائب جمال الجراح الذي قال: لا أحد سيخطئ مرة أخرى باستثمار النزوح السوري كما جرى استثمار النزوح الفلسطيني.

لقد طرح المؤتمر أسئلة محدّدة على ممثلي القوى السياسية في ملف النزوح: هل يشكل الملفُ خطراً على كيان لبنان؟ هل تعتقدون أنّ عودة النازحين ممكنة أم مستحيلة؟ هل تؤيّدون التواصل بين حكومتَي لبنان وسوريا من منطلق المسؤولية في هذا الشأن؟ ماذا عن مخاطر «دمج» هؤلاء في المجتمع اللبناني؟ وهل تؤيّدون إقامة مناطق آمنة لهؤلاء داخل سوريا وتحميل المسؤولية عنها للأمم المتحدة والنظام؟

بدا واضحاً أنّ القوى السياسية كلّها متوافقة على ثوابت: تقدير المخاطر، الاقتناع بدور ملتبس للأمم المتحدة والدول المانحة، ضرورة التحرُّك الرسمي الطارئ للمعالجة، الفرز الواضح للسوريين بين نازح وغير نازح، التشدّد مجدداً في تدابير الدخول.

وتبقى نقطة التواصل مع النظام في دمشق لمعالجة الملف موضع اختلاف… لكنّ البعض سأل: يقيم لبنان اتصالاً بإسرائيل على مستوى لجنة الارتباط العسكرية لمعالجة الحالات الطارئة، فما الذي يمنع تواصلاً مماثلاً مع دمشق؟

إذا لم يكن هناك خبث متبادل في المواقف، على الطريقة اللبنانية المعتادة، فلا بدّ أن يؤدي الاعتراف المتبادل بالأزمة وبالأخطاء إلى إطلاق مسار صحيح نحو المعالجة. وقد يُستكمل ذلك بإنشاء خلية أزمة حكومية أو إقامة مؤتمر للحوار المُجدي حول النازحين، بدل الحوار العام المتعثّر. فهل تلتقط الحكومة اللبنانية هذه الفرصة، قبل أسبوع من المؤتمرين المنتظرين حول النزوح في نيويورك؟