وحدها بكركي لا تزال قادرة أن تفعل شيئاً للدفع في اتجاه انتخاب رئيس لجمهورية لبنان وإنهاء فراغ يهدد أساس الجمهورية ويدوم ويدوم. بالأمس غادر الرئيس ميشال سليمان قصر بعبدا وها سنة تكاد أن تمر، ورئيس الحزب الإشتراكي النائب وليد جنبلاط لم يكن في مزاج مزاح عندما قال (لموقع “المدن”) هذه العبارات: “لبنان دخل المراوحة القاتلة، إذ لا جديد قد يقدّم على الساحة، وانتخاب الرئيس قد يحتاج إلى ثلاث سنوات على أقل تقدير، ريثما تتبلور الأمور في الخارج. هنا الخطأ القاتل”.
كل الخوف أن تكون “نبوءة” جنبلاط هذه صحيحة. فالسنون يجر بعضها بعضاً. وهل تبقى جمهورية للبنانيين كي يروا رئيساً عليها إذا طال الحال على هذا المنوال؟
في الإنتظار الممضّ، كيفما تطلع المواطن حواليه يطالعه العجز. النواب والكتل النيابية، الأحزاب، الهيئات الإقتصادية والنقابية… المجتمع المدني؟ يا حرام على المجتمع المدني. أربعون جمعية تنادت إلى وقفة تنديد بالمقاطعين تحت شعار “الغايب مش نايب”، الخميس الماضي في الموعد الممل ّ للجلسة الـ21 من أجل انتخاب رئيس. النتيجة كانت تجمعاً تحلق حول قاعدة تمثال الرئيس رياض الصلح وسط بيروت، لم يزد عدد المشاركين فيه على أربعين!
لا 14 آذار ولا “الوسطيون” ولا حتى الدول التي تدخلت في الموضوع حتى اليوم تستطيع شيئاً. ولا الأساليب التي استُخدمت قادرة على التوصل إلى نتيجة.
وحدها بكركي قادرة، خلافاً لانطباعات نقلها زوار الصرح في الأسبوعين الماضيين، عن يأس يسود قاعاته وأروقته وعجز عن ابتكار مبادرات. لا يمكن الكنيسة المارونية الإستمرار في تجاهل أن العرقلة مارونية في شأن وطني يعني جميع اللبنانيين، وأنها مسؤولة في نهاية المطاف عن مجموعة قيم يتقدمها الحفاظ على لبنان دولة للحرية، دولة حلم بها الموارنة وأخوة لهم في الوطن وبذلوا تضحيات هائلة مدى أجيال للتوصل إلى نشوئها وتثبيتها . ليس في سبيل شهوة سلطة، مهما تغطت بغبار من شعارات، يحق لأي كان تهديد وجودها بفرض تعطيل مؤسساتها واحدة تلو أخرى بدءاً بالرئاسة.
لا أحد يطالب بأن تلوح الكنيسة بالحرم الذي لوحت به أخيراً في وجه من يتزوج مدنياً. ومعروف أن للحرم قواعد صارمة تتصل بقوانين الفاتيكان. لكنها تستطيع الإنطلاق من حقيقة أن الجميع ليسوا سواسية كأسنان المشط في التسبب بالتعطيل. لا يتساوى من يشارك في جلسات الإنتخاب بمن يقاطعها ويمنع اكتمال النصاب. تستطيع بكركي أيضاً أن تسمّي النواب المعطّلين بأسمائهم – الموارنة على الأقل- “يا فلان ويا فلان… أنتم تدمرون الجمهورية وهي ليست ملكاً لكم”. تسمّيهم في بيان كما في عظات الكهنة في الكنائس. تستطيع الإمتناع عن استقبالهم في العيد. تستطيع إلغاء تقبل التهاني بالعيد احتجاجاً على سلوك أناني يبقي الوطن بلا رئيس. تستطيع الإيعاز بقرع أجراس الكنائس في كل لبنان حزناً ساعة كل يوم إذا شاءت.
ولا خطوة من هذه الخطوات الضاغطة يستطيع المعرقلون أن يتحملوها. يبقى إقتناع بكركي بأنها قادرة، وحدها ولا أحد غيرها، وبأن خطر التهديد الذي يواجه بقاء جمهورية لبنان يستحق الخروج من التقليد ومراعاة الخاطر.