بطريرك الموارنة بين العاتبين والمنتقدين والمدافعين
دروب بكركي المتعرجة وهاجس انتخاب رئيس
كان يقال: «اذا كانت بكركي بخير فلبنان بخير». وهناك من اجتهد فاضاف: «اذا كانت بكركي بخير فمسيحيو المنطقة بخير.. ومسلموها ايضا».
لكن، مع الاسف، لا يعكس هذا الكلام واقع الحال اليوم. فلا بكركي بخير ولا لبنان ولا مسيحيو المنطقة ولا مسلموها.
قد يحمل الرهان على استعادة بكركي عافيتها على امل ان ينعكس ذلك على لبنان والمنطقة، تبسيطا يتنافى مع تعقيدات الاوضاع والظروف والسياسات. لكن الاكيد ان في معالجة بعض ما اصاب بكركي ودورها وثقل تأثيرها، ما يمكن ان يرتد ايجابا، اقله على لبنان ودور المسيحيين فيه ومن اجله.
تكثر التكهنات وتتعدد «التشخيصات» في اسباب «توعك» بكركي. ينسب بعضهم ذلك «الى أداء البطريرك بشارة الراعي الذي لم يُبقِ على صديق او حليف، لا من المسيحيين ولا من المسلمين».
يقول احد غلاة اصحاب هذا المنطق ان «البطريرك جعل الجميع متحسسا منه»: «حزب الله» في زيارته الى فلسطين المحتلة. «المستقبل» في مواقفه بعد لقائه الشهير مع الرئيس سعد الحريري. الرئيس نبيه بري بعد ان خوّن جميع النواب وضمنا رئيس مجلسهم في الطليعة. «التيار الوطني الحر»، وهو يواصل الهجوم على من لا ينزلون الى المجلس النيابي لانتخاب رئيس للجمهورية. «القوات اللبنانية» و«الكتائب» الذين ساواهم بمن يقاطعون الجلسات. السياسيون المسيحيون المستقلون الذين همّشهم البطريرك حين حصر المنافسة والتمثيل والشرعية المسيحية بالزعماء الاربعة الاقوياء في الطائفة.
الجميع اذا عاتب على بكركي. يضاف اليهم سلوك غير مسبوق لبطريرك ماروني. فالراعي، اول بطريرك غير ملتح في الطائفة المارونية منذ مار يوحنا مارون، واصل مفاجأة رعيته في لبنان والعالم شكلا ومضمونا. فاذا كان بعضهم تفهم ارتداء «السومبريرو» في المكسيك، الا انهم بقوا مدهوشين من رؤيته في «الجينز» يجول في جرود الديمان على الاملاك البطريركية، يقول احد منتقديه شكلا قبل ان يتعمق في المضمون ويربطهما بطريقة يبدو من خلالها وكأن بكركي تغيّرت تغيّرا جذريا. يعدد الاسباب والحجج؛ بعضها مكرر كـ«الهجرة شبه الدائمة للبطريرك، والتوضيح المتواصل لمضامين كلامه ومواقفه، وانفعاله بما يتجاوز هيبة مقامه»، وبعضها الآخر يندرج في «عمق الخيارات الاستراتيجية للمسيحيين في لبنان والمنطقة».
يسأل السياسي عما «اذا كانت بكركي تملك خريطة طريق واضحة المعالم والمحطات والاهداف»، متخوفا من «كم الارتجال في المواقف الآنية كما في الخيارات الاستراتيجية». ويعبر السياسي عن رأي فريق غير قليل حين يقول: «اذا كنا نحن المسيحيين نجد صعوبة في فهم مقاصد البطريرك، ونحار في فك شيفرة ما يريده وما يرفضه، فكيف نطلب من سائر القوى السياسية ان تفهم وتتفهم؟» ويختم متمنيا «الا يستنزف آخر ما تبقى من رصيد لبكركي في حسابات، او ربما سوء حسابات، لا تعود على المسيحيين الا بمزيد من الانقسام والتشرذم».
في مقابل هذا الانتقاد «الملطّف» لبكركي وأداء سيدها، يرد احد المقربين من الصرح البطريركي بحدة على كل الانتقادات. ويكشف انه «اصبحنا متأكدين ان هناك حملة مخططة وممنهجة على بكركي، يشارك فيها، للاسف، بعض الاكليروس. واذا كان البطريرك الراعي يغض الطرف عن هذه التجاوزات انطلاقا من تفهمه للضعف الانساني احيانا، او في محاولة ترميم كل تصدع، الا ان الامور بلغت حدا لم يعد مقبولا. بكركي تسأل ولا تُسأل. وهي تسأل السياسيين المسيحيين قبل غيرهم، ماذا فعلتم بالوزنات التي اعطاكم اياها شعبكم؟ اذا عجزتم عن مضاعفتها، اقله حافظوا عليها. لكنكم بددتموها وها انتم تطمرونها فلا تنتخبون رئيسا للجمهورية ليعيد توزيع وزنات جديدة».
يضيف: «ماذا يفعل البطريرك؟ يريد ان يجمع ابناءه؟ يؤمن انه بالحوار يمكن تذليل كل العقبات؟ يطمح الى تقديمهم المصلحة العامة على الخاصة؟ يقوم بواجباته القانونية بزيارة كل ابنائه فيوسع ابرشياته كما ابواب بكركي فلا تبقى مغلقة في وجه احد؟ لا افضلية لاحد في بكركي الا بمقدار ما يكون لبنان اولوية عنده ومصلحة اللبنانيين هاجسا في ضميره».
وبعد ان يستعرض مدافعا عن محطات «قانون اللقاء الارثوذكسي، وجمع القيادات المسيحية، والمواقف الحاسمة لبكركي في سيادة الدولة وحصرية السلاح في يد القوى الامنية الشرعية، وتحصين الجيش… وسواها من المحطات والمواقف»، يختم قائلا: «إن التحدي الوطني والاخلاقي والضميري الذي ترفعه بكركي اليوم يتمثل في انتخاب رئيس للجمهورية. وهي في سبيل ذلك مستعدة لان تتلقى كل السهام. وهي لن توفر جهدا للوصول الى رئيس يتوافق عليه اللبنانيون قادر على اعادة توحيدهم حول فكرة لبنان ودوره ورسالته».