يبدو الفريق العوني اكثر تحفظا من حليفه القواتي في اسقاط رمزيات ” تاريخية ” على تفاهم معراب من مثل التماهي مع ذكرى اسقاط الاتفاق الثلاثي او استحضار دعم الدكتور جعجع لـ”حكومة الاستقلال” التي رأسها الجنرال عون. لن نتسرع في ادعاء أيهما اكثر حكمة في توظيف الرمزيات او التقشف فيها لأننا لا نزال في بداية تفاعل “كيميائي” بكل المعايير للحمى المسيحية الناشئة عن هذا التطور، وقد نرى الكثير من اللامتوقع متى استقامت الصورة الإجمالية لهذا التفاعل سواء في ما يتصل بمصالحة “فوق العادة” بين العونيين والقواتيين او بترشيح احد الزعماء الاكثر اثارة للجدل. ما يعنينا اكثر هي تجربة فريدة جدا تتصل بعبور مسيحي شاق من حالة التعددية السياسية الى احتمال حلول ثنائية عملاقة تستعيد ظاهرة القاطرة التي تختصر معظم الزخم السياسي والحزبي لدى المسيحيين. اغلب الظن ان هذا الاحتمال الذي يخيف كثيرين لخشيتهم من “تشييع” الثنائية المسيحية، بمعنى احتكار التمثيل والمصالح والسياسة كما لدى الثنائية الشيعية وليس بالمعنى الديني طبعا، هو اصعب بكثير مما يتراءى ببساطة لمن يبشر به من دون ان يفقه تماما عمق الخصائص المسيحية التي يستحيل معها تقريبا نجاح الاستئثار المطلق بالتمثيل والقرار. قد لا تنطبق التجربة الراهنة على التجارب السابقة التي مرت على المسيحيين بحلوها ومرها. كما يفترض الإعتراف لركني تفاهم معراب الجنرال عون والدكتور جعجع انهما يمعنان في مد اليد في كل الاتجاهات ولا يفرضان تفاهمهما ممرا الزاميا للعلاقات المستجدة مع الآخرين. ومع ذلك سيتعين على فريقي التفاهم ان يواجها بصبر، بما يفوق “النوايا العشر” اياها، محاذير إيقاظ شياطين المخاوف لدى الآخرين، وهواجس التجارب العتيقة القتالية منها والسلمية في أزمنة الحروب او في ازمنة السلم، ومحاذرة الوقوع في حقل الوهم الذي يزعم بسهولة اختصار العبور من واقع الى واقع مناقض من دون أثمان قد يغدو بعضها شديد الخطورة على التفاهم وكذلك على الجماعات المسيحية. لقد خلق تفاهم معراب واقعا جديدا بات معه القادة المسلمون اللبنانيون انفسهم يحاذرون اتخاذ اي موقف قد يشتم منه ايحاء سلبيا ضد الخطوة المتعلقة بالمصالحة المسيحية. ولكن النوم على حرير هذا الزمن الذي لا يزال في بداياته والظن بانه يتيح المضي بتجربة ثنائية مطلقة “القوة” سيغدو امرا آخرا محفوفا بشتى انواع المغامرات. ولا ضير هنا من التذكير ببديهيات اثبت عبرها المسيحيون، رغم أخطاء كوارثية ارتكبتها قواهم، بأنهم استعصوا على “منظومات” ثلاثية او ثنائية الا لحقبات خاطفة سرعان ما كانت تتبدل بأشكال دراماتيكية، ولعل ابرز الشهود على ذلك هما رمزا تفاهم معراب.