في الماضي ولدى طرح أي ملف شائك خصوصاً في الاطار المسيحي، كانت تتردّد الاصوات السياسية ومن مختلف اطيافها، لتؤكد بأن أي اتفاق بين العماد ميشال عون والدكتور سمير جعجع مستبعد، حتى ولو اتت النتائج مخيبّة لأمال المسيحيين، اما اليوم وكما يقول المثل الشائع «فقد جمعتهما المصيبة» بعد طرح إسم النائب سليمان فرنجية كمرشح تسوية، من خلال طبخة خارجية تنفذها مكونات سياسية غير مسيحية، أي تحالف السنّي والشيعي والدرزي، ما حثهما على إعلان جبهة رفض تتحّضر كواليسها لتشكل حلفاً سياسياً مارونياً، وبدفع قوي سيُتابع في الانتخابات النيابية ليشكّل «تسونامي مسيحياً»، سبق ان اطلقه وليد جنبلاط قبل عشر سنوات، لحظة وصول العماد عون الى مطار بيروت قادماً من منفاه الفرنسي، لكن هذا التسونامي سيتحقق قريباً ضمن ثنائي مسيحي، بحسب ما ترى مصادر سياسية مسيحية.
لذا باتت مقولة ان «الحوار بين عون وجعجع صعب جداً»، ملغاة في القاموس السياسي، لان طبخة الحريري وحدتهما بشكل كبير لا رجوع عنه، خصوصاً من ناحية عدم إيصال أي رئيس لا يلبّي مطالبهما، وفي هذا الاطار بات الشارع المسيحي المنهك بالجراح، جراء الحروب العبثية والمعارك السياسية التي قضت عليه منذ العام 1989 بسبب تعنّت عون وجعجع حينها، يتطلّب اتفاقاً مسيحياً نهائياً يعيد المسيحيين الى امجادهم في فرض كلمتهم.
ورأت المصادر المذكورة أن المسيحيين تعبوا وينتظرون بفارغ الصبر اتفاق هذين الطرفين، كي يتحلحل الوضع الكارثي الذي دفعوا ثمنه، مشددّة على ان التسوية التي تتحّضر لفرنجية ستكون الدافع الاول، لان الزعيمين يعيشان اليوم الحذر الشديد، اذ يشعران بأن الورقة الرئاسية سُحبت منهما نهائياً، مما يعني ان اتفاقهما ضد هذه المسألة بات ضرورياً، بهدف الوصول الى مساحة مشتركة حول موقع ودور المسيحيين في السلطة، وتحديداً في رئاسة الجمهورية، وإخراجها من المأزق وتقديم التسهيلات للاتفاق على رئيس توافقي من جديد، لان فرنجية لا يمتلك هذه الصفات، مذكرة بأن العماد عون لطالما ابدى انزعاجاً حين تلقى نصيحة قبل اشهر عدة ، بأن يكون أحد أقوى الناخبين في رئاسة الجمهورية بدل ان يكون الرئيس، وبأنه علق على تواجد الدكتور جعجع حينها في السعودية بالقول: «آمل أن يتمكنوا من إقناعه بالوقوف الى جانبي لضمان انتخابي رئيساً للجمهورية، ورأت أن العماد عون بات يشكل قبولاً لدى جعجع للوصول الى بعبدا اكثر بكثير من فرنجية المندمج كثيراً في الخط السوري.
وذكرّت المصادر بـ«الحلف الثلاثي» الذي تأسس في العام 1968بين كميل شمعون وبيار الجميّل وريمون إده، الذي لم يتألف حينها من أجل الاتفاق على قانون جديد للانتخابات النيابية، أو على تعيينات في مراكز قيادية في الدولة، ولا حتى من أجل الحصول على وزارات سيادية او خدماتية مميزة، انما من اجل درء خطر كان داهماً على لبنان وجوداً وكياناً وهوية، ما جعلهم يضعون خلافاتهم حول الشؤون الداخلية والشخصية جانباً، على أثر المد الناصري تحقيقاً لحلم «الوحدة العربية» التي كان لها جمهور واسع، لذا كان لا بد للقيادات المسيحية، وتحديداً المارونية، من أن تتوحد لمواجهة هذا الخطر، وحينها شكّل «الحلف الثلاثي» لوائح مشتركة خاض بها الانتخابات النيابية، فإكتسحت هذه اللوائح كل المقاعد النيابية في جبل لبنان ، فكان الفوز للحلف المذكور.
الى ذلك وصفت المصادر عينها ما يتحّضر له اليوم من مشروع وحدة بين «القوات والتيار» بالثنائية المارونية ، على غرار الثنائية الشيعية التي تتفق على أي مهام او مركز شيعي، فتلغي على الفور الأصوات الأخرى لان تقول كلمتها ونقطة على السطر، وهذا هو المطلوب اليوم في الاطار المسيحي، بعد بروز الثلاثي: الحريري – بري جنبلاط، مما يعني بأن هذا الثلاثي سيقّر التفاهم السعودي – الايراني، فيما عون وجعجع سيبقيان خارج إطار اللعبة، وهذا غير مقبول.
وختمت المصادر عينها: «أنه آن الاوان ان يستفيقا من الغيبوبة التي أنهكت المسيحيين على مدى ربع قرن، مع الاشارة الى ان التاريخ علمّنا بأن نزاعات الزعماء الموارنة لا تنتهي، لكن على هذا التاريخ ان يعلمهما بأن اتفاقهما النهائي سيُعيد المسيحيين من جديد الى شاطئ الامان، في ظل ما يجري في المنطقة من تهديدات للوجود المسيحي، وبالتالي عليهما التعلّم من تجارب واخطاء الماضي، بأن في الجمع قوة لا يستهان بها».