IMLebanon

ثنائية مسيحية اليوم وغداً أحادية

خلافاً لما يعتقده كثيرون، لا يتطلع رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع أبداً إلى تكريس وجود ثنائية مسيحية. ثنائية التيار الوطني الحر والقوات مجرد محطة في مسيرة جعجع المستمرة باتجاه أحادية القيادة المسيحية التي يعمل لأجلها «من يوم يومه». أساس تكوين القوات اللبنانية يتناقض مع مبدأ الثنائية المسيحية: هي أنشئت لتكون ذلك الغول الذي يبتلع جميع القوى والشخصيات المسيحية بحجة توحيد البندقية السياسية أو العسكرية.

تشهد إهدن على ذلك والصفرا وغيرهما. أما جعجع، فما كادت ثنائيته وإيلي حبيقة في قيادة القوات تبصر النور، حتى انقلب عليها باتجاه الأحادية. الأمر نفسه كرره مع الرئيس أمين الجميل. وسرعان ما قُطِع الطريق على أيّ ثنائية جعجعية ــ شمعونية محتملة بعد 13 تشرين عبر اغتيال عاجل لداني شمعون. ولم يلبث جعجع بعد خروجه من السجن أن تجاوز ثنائية التمثيل المسيحي في قوى 14 آذار.

اليوم يستفيد جعجع من عدة عوامل أبرزت ما يشبه الثنائية المسيحية، في مواجهة الثنائية الشيعية والأحاديتين السنية والدرزية، إلا أنه لن يقف هنا.

فماكينة القوات اللبنانية دفعت باتجاه إجراء الاستطلاع الشهير لتحديد أول مرشحين إلى رئاسة الجمهورية، مستنفرة قدراتها المختلفة لتأمين حلول جعجع لا عون في المرتبة الأولى، في وقت يسوّق فيه أنصار القوات نظرية تفيد بأن قوة عون تكمن في قوة الطاشناق والمردة والحزب القومي والشيوعيين والوزير السابق إيلي سكاف وكل الشخصيات المستقلة الذين يتحالف معهم تكتل التغيير والإصلاح إضافة إلى التيار الوطني الحر، فيما قوة جعجع تكمن في قوة القوات اللبنانية فقط. ويقارن هؤلاء في نظرية أخرى بين أعداد المنتسبين لكل من القوات والتيار في عدة أقضية، مقارنين بين قدرة القوات على الحشد في ذكرى شهدائها ومناسبات أخرى وقدرة العونيين على الحشد. وخلاصة حديثهم أن هناك ثنائية اليوم صحيح، إلا أن جعجع أقوى على المستوى الشخصي من عون. ومن هنا، ينطلق هؤلاء في أحلامهم باتجاه الأحادية المسيحية متّكلين على عاملين أساسيين:

أولاً، الظهور أمام الرأي العام بمظهر المتفهّم لعون والداعم ضمنياً له في معاركه لاستعادة حقوق المسيحيين بدل مواصلته الظهور بمظهر المناوئ له ورأس الحربة في مواجهته. وقد خمدت فجأة التعبئة القواتية العامة والدقّ المتواصل للنفير، ولم تعد تظاهرات العونيين تقابل بتظاهرات قواتية. ولا يكاد قواتي يرى مواطناً متحمّساً لموقف العونيين هذه الأيام حتى يشرح له أن جعجع شريك لعون، فهو يسهم في الحؤول دون فتح المجلس النيابي رغم رغبة تيار المستقبل في فتح دورة استثنائية، وهو حال دون توفير غطاء مسيحي لعزل العونيين في مجلس الوزراء، فيما تنكب لجنة العمل المشترك بين القوات والعونيين على إيجاد عناوين مشتركة يمكن أنصارهما أن يتظاهرا من أجلها جنباً إلى جنبٍ. وهنا يتصالح جعجع مع جمهور عريض عبر إسقاط كل التهم الموجهة إليه بشأن التآمر على حقوق المسيحيين وتطيير اقتراح قانون اللقاء الأرثوذكسي وتوفير غطاء مسيحي للجشع الحريريّ وغيره، وينزل عن ظهره نير التصدي لميشال عون في كفاحه لاستعادة حقوق المسيحيين.

ثانياً، الاتكال على هزم الأفرقاء السياسيين الآخرين للعماد عون، من دون أن يكون لجعجع أي علاقة بالموضوع، في ظل اعتقاد القوات أن الحالة العونية تحتضر ومن شأن هزيمة عونية جديدة أن تكون أشبه بضربة قاضية، فيما يتعين على جعجع أن يبدي زعله على الفشل العوني بدل أن يشمت باستراتيجية الجنرال ويقرع مناصروه الأجراس.

الثنائية اليوم مقبولة من القوات في انتظار أن يسقط الجنرال منها وتبقى القوات وحدها. ففيما ينشغل التيار الوطني الحر في اللحظة الآنية، يركز جعجع على المستقبل.