استوقف الكلام الصادر عن السفير السعودي في بيروت علي عواض العسيري عن شمولية الحوار أكثر من جهة سياسية تقف على الحياد وفي موقع المراقب للحوار المرتقب بين «حزب الله» وتيار «المستقبل». ورأت فيه مصادر نيابية في 14 اذار دعوة صريحة من قبل المملكة إلى توسيع دائرة المتحاورين لتصبح الجلسات التي يجري الإعداد لها مشابهة لجلسات الحوار الوطني التي انعقدت في قصر بعبدا سابقاً، وبرعاية رئيس الجمهورية السابق ميشال سليمان. وإذ وجدت المصادر أن الحوار الشامل والوطني أو الثنائي بين طرفين أساسيين في فريقي 8 و 14 آذار هو السبيل الوحيد للجم الفتن المذهبية والحفاظ على وحدة الساحة الداخلية، وإن كانت نتائجه لا تزال موضع شكّ من قبل الفريقين اللذين يستذكران تجارب الحوار الوطني السابقة. وأضافت أن حملات التشكيك لا ترتدي طابع سوء النية خاصة أنها صدرت عن جهات داخل تيار «المستقبل» أحياناً، كما من قبل معارضين له حيناً آخر، موضحة أن الإتفاقات السابقة التي جرى التوصّل إليها على طاولة الحوار في قصر بعبدا، بقيت حبراً على ورق، إذ أن المعادلات السياسية، كما الميدانية، لم تشهد أي تغيير واستمر الأداء السياسي خاصة من قبل قوى 8 آذار ذاته، حيث تواصلت الحملات السياسية والإعلامية، وتفاقمت منذ اندلاع الصراع العسكري في سوريا، وتطوّرت إلى انقسام خطير نتج عنه تعطيل للإستحقاقات الدستورية وركود إقتصادي وواقع أمني خطير، وتحدّيات إجتماعية كبيرة بسبب غياب التنظيم لموجات النزوح الهائلة من سوريا إلى كافة المناطق اللبنانية.
وفي ظل اللحظة الإقليمية الحسّاسة وحال التوتّر ما بين المملكة العربية السعودية وإيران، فإن إطلاق عجلة الحوار في بيروت اعتبرته المصادر النيابية المحايدة إشارة من قبل الطرفين الإقليميين بوجوب ترتيب البيت الداخلي اللبناني عبر تحييده ولو بشكل جزئي عن خلافات المنطقة، وخصوصاً الحرب السورية، وذلك تمهيداً لإعادة انتظام الحياة السياسية اللبنانية ووقف التدهور الأمني، علماً أن جوهر الحوار هو ما سبق وأعلنه كافة الذين ساهموا في إنضاج ظروفه وهو إرساء هدنة مذهبية، بعدما تجاوز منسوب الإحتقان الخطوط الحمر، وبدأ الشارع ينذر بانفلات الأمور من يدي كل من الحزب، كما « المستقبل»، نتيجة ارتدادات الصراع في سوريا.
وبصرف النظر عن موافقة كل من «حزب الله» و«المستقبل» على الشروط المسبقة التي طرحت خلال الأسابيع الماضية من قبل مسؤولين وقادة بارزين لدى الجانبين، فإن المعطيات المتوافرة، وكما تقول المصادر النيابية نفسها، تشير إلى أن الإطار العام للمحادثات التي ستنطلق قريباً وتحديداً قبل نهاية العام الجاري، هو وقف التدهور الداخلي على كل المستويات من خلال البحث الجدي في الإستحقاق الرئاسي. وانطلاقاً من هذه الأجواء، تضيف المصادر، فإن الحاجة ستكون ماسة إلى انضمام أطراف أخرى فاعلة إلى الحوار الثنائي، وأهمها القوى المعنية برئاسة الجمهورية، والتي باتت اليوم في موقع المراقب غير الحيادي لكل ما سيجري طرحه، أو ربما الإتفاق عليه على هذا الصعيد.
وبالتالي، فإن الكلام السعودي على شمولية الحوار ينسجم أيضاً مع الموقف المسيحي العام منه، كما كشفت المصادر النيابية المحايدة عينها، والتي أكدت أن تحدي مواجهة الفتنة المذهبية لا يقتصر فقط على «المستقبل» و«حزب الله»، بل على أحزاب وطوائف أخرى شريكة في الوطن، خاصة أن قرار التهدئة الداخلية هو نتيجة إجماع عام، وكذلك فإن قرار تسوية الإستحقاق الرئاسي ليس «إسلامياً» بل هو وطني بشكل عام، ومسيحي بشكل خاص كون رئاسة الجمهورية، وإن كان موقعاً وطنياً لكل الطوائف، فهو الموقع المسيحي الأول في السلطة، والتفاهم على ملء الفراغ فيه يستوجب حواراً وطنياً وليس حواراً ثنائياً.