كيف يحمي الدكتور سمير جعجع المسيحيين في القاع وفي بلدات لبنانية اخرى اذا كان حقده على النظام السوري اعمى بصيرته من ادراك حجم التهديد الذي يمثله للكيان المسيحي؟ وما هي هذه الاستراتيجية الغريبة العجيبة لحماية لبنان واهله اذا كان ينتقد في كل مناسبة محاربة حزب الله للمتطرفين في سوريا وتزكية المذهبية في المنطقة ولبنان في حين لا يرى جرائم وتفجيرات «داعش» في المنطقة ومشروع التنظيم التوسعي الهادف الى اجتياح دول عربية اخرى غير سوريا والعراق؟ متى يضع الدكتور جعجع والشيخ سعد، هذا الثنائي، مشاعرهما الشخصية جانبا حول حزب الله ويقومان بمراجعة للواقع اللبناني المرتبط بجواره الملتهب وبتقييم لطموحات «داعش» المتجاوزة لاي حدود لاي بلد عربي؟
ان حادثة القاع قد تكون اولى الجرائم التي يريد التنظيم تنفيذها بحق المسيحيين في لبنان بعدما امعن في قهرهم وقتلهم وتهجيرهم من العراق فماذا يريد بعض القادة المسيحيين ومعهم انصارهم من ادلة وقتل وارهاب لكي يستفيقوا ويعوا ان «داعش» لا يستثني احدا وان خطر هذا التنظيم على ابواب لبنان وليس فقط محصورا في حلب والموصل؟ واي حادثة اليمة حصلت بحق اللبنانيين المسيحيين بعد الحرب الاهلية اكثر من تلك التي حصلت في القاع ليقتنع الدكتور جعجع ان هناك خلايا نائمة ارهابية تابعة لـ«داعش» في لبنان باستطاعتها التحرك في اي وقت لتنفذ مخططات وحشية؟
ان اهالي القاع لم يتدخلوا في الحرب السورية ولم يذهب منهم رجال للقتال الى جانب النظام السوري بل على العكس غالبيتهم من المعارضين لحكم الرئيس بشار الاسد ومع ذلك استهدفهم «الدواعشيون» لان التنظيم كافعى تلسع كل من حولها سواء هاجمها البعض ام هادنها البعض الاخر. وهنا نتساءل اذا كانت النظرية القائمة على ان حزب الله «جلب الدب على كرمه» بتدخله في سوريا ودفع ثمن ذلك تفجيرات انتحاريين في الضاحية ام ان «داعش» هو نار تحرق كل من يقف بوجهها وتتمدد اينما تستطيع لتسحق كل من «المرتدين» في المنطقة. بيد ان «تنظيم الدولة» يستهدف ويحارب المدنيين والعسكريين ممن يخالفون اراءه الشاذة ومعتقداته ويصف المسيحيين والشيعة والسنة المعارضين له بالردة والشرك ويحلل دماءهم. وامام هذا الواقع، نرى مواقف بعض الزعماء اللبنانيين وابرزهم الثنائي الحريري – جعجع تتسم بالسذاجة والاستخفاف بخطر عدو مثل «داعش» او رهانات مبنية على عواطف وانفعالات وكراهية اكثر مما هي مبنية على المنطق والواقع.
بيد ان تركيا التي كانت الدولة حاضنة لـ«داعش» وسهلت مرور عناصر التنظيم الى سوريا بدلت موقفها وانضمت الى التحالف الدولي الذي يحارب «تنظيم الدولة» كما انها خففت من هجومها على النظام السوري بعدما اصبح «داعش» قوة عسكرية خطيرة الا ان في لبنان بقي الثنائي الحريري – جعجع وقياديون لبنانيون اخرون يعتبرون حزب الله هو الخطر الحقيقي فيما «داعش» ظاهرة عسكرية جديدة برزت كردة فعل على ممارسات النظام السوري وحلفائه وان هذا التنظيم سيضمحل وسينتهي فور تغيير النظام السوري. والانكى من ذلك ان الدكتور جعجع صرح عند وقوع حادثة القاع ان هؤلاء الانتحاريين لم تكن وجهتهم القاع بل كانوا يختبئون بانتظار سيارة تقلهم الى منطقة اخرى لتنفيذ ما املى عليهم لكنه لاحقا تراجع عن هذا الكلام. على الارجح ان قائد القوات اللبنانية هو الذي اضاع البوصلة وليس الانتحاريون الذين فجروا انفسهم في القاع.
مؤسف ان يرى زعماء لبنانيون واقع لبنان والمنطقة بعين واحدة ومن منظار ضيق جدا في حين المنطقة كلها مشتعلة والتهديدات بحق اللبنانيين موجودة سواء شارك حزب الله في القتال في سوريا ام لم يشارك. من السذاجة اعتبار لبنان جزيرة معزولة عن كل ما يحصل حوله ومن الغباء اعتبار ان المسيحيين والسنة في لبنان لن يصيبهم اي اذى بل ستكون التفجيرات والاعمال العدائية موجهة فقط ضد اللبنانيين الشيعة.
في النهاية، بات واضحا ان حزب الله هو السترة الواقية من خطر الاصوليين وقد ذهب الى سوريا دفاعا عن المدركين وغير المدركين لخطر الاصوليين وقدم تضحيات كبيرة دفاعا عن لبنان وارضه وشعبه.