محطتان أساسيتان تشغلان اللبنانيين الآن: تجديد قانون الانتخابات الصادر عام ١٩٦٠، والذي قارب الستين من عمره، والموازنة العامة للدولة، المغيّبة منذ ١٢ سنة، بحكم تنازع القوى السياسية، حول ما يعرف بقطع الحساب…
وكلا المحطتين، يمكن ادراجهما في خانة الارغام، أي ان بعض القوى المرتاحة على وضعها النيابي، تبدو مرغمة على اثبات نهجها البرلماني الديمقراطي، أمام المجتمع الدولي، وخصوصا الدول المانحة للبنان، من خلال اجراء الانتخابات النيابية، بموجب أي قانون، ضمانا لاستدامة المنح والقروض والسمعة الديمقراطية الطيّبة…
كما ان الخوف من استمرار الفوضى غير الخلاّقة في بعزقة المال العام، معطوفة على تحذيرات المؤسسات المالية الدولية، من مغبّة تفاقم الدين العام، وما يستتبعه من هبوط في درجات تصنيف ملاءة لبنان من قبل البنك الدولي أو المؤسسات المالية المانحة أو المقرضة.
ومع دخول لبنان في الأسبوع الأخير من مهلة دعوة الهيئات الناخبة في ٢١ شباط، نشطت الاتصالات الثنائية، بعدما غابت اللجنة الرباعية في غياهب لجنة الخبراء الانتخابيين، التي تلاشت قبل ان تبدأ أي نشاط، وعادت اللعبة الى أربابها مباشرة: جنبلاط يضع أفكارا في عهدة الرئيس بري، والرئيس أمين الجميّل يطلع غبطة البطريرك بشارة الراعي على هواجسه، التي نقلها نجله سامي رئيس حزب الكتائب، الى رئيس الحكومة سعد الحريري في السراي، محذرا من اعتماد الخيارات السيّئة، والتي هي بنظره، الابقاء على قانون الستين، أو التمديد للمجلس القائم للمرة الثالثة. والرئيس بري يفسح عن ان الأفكار التي أودعه إياها النائب جنبلاط، تدور حول النظام الأكثري، المطعّم ببعض النسبية، أو ما يعرف بالنسبية العادلة، المنطلقة من وحدة المعايير، وبالذات جعل الشوف وعاليه دائرة واحدة، ودون توضيح للمعيار الواحد في هذا النطاق.
ورغم الكلام عن قناعة الرئيس سعد الحريري بأن القليل من النسبية ينعش المسار الانتخابي، فان كتلة المستقبل تحدثت بثوابت الرئيس ميشال عون قانون انتخابات جديد وبأفكار وليد جنبلاط وحدة المعايير وتطمين الهواجس.
حزب الله على كلامه، حيال النسبية الكاملة، ولبنان دائرة انتخابية واحدة، وهو رفع سقفه الى هذا الحد الأقصى، بعد فترة مرونة، ربما بسبب الحملة التي ترتبت على تصريحات الرئيس عون حول سلاح حزب الله.
لكن عضو كتلة المستقبل عن البقاع الغربي النائب الدكتور أمين وهبي استبعد نجاح النسبية الكاملة في قانون انتخابات يعتمد لبنان دائرة انتخابية واحدة، لسبب منطقي، وهو المذهبية المتفشية، معتبرا ان من سيغتال النسبية هي الهستيريا المذهبية.
وعن موقف حزب الله قال: الحزب أحد صانعي هذه الحالة المذهبية… بالنسبة الى الموازنة، الموضوعة على نار مجلس الوزراء، مطلوب ان تمشي بموازاة قانون الانتخابات، لأنهما في موضوع الانتخابات، يكمل أحدهما الآخر…
لكن كما النسبية المفرطة علّة مشاريع قوانين الانتخابات المستعصية على الصدور، كذلك سلسلة الرتب والرواتب، بيت داء الموازنة، بعد اشكالية قطع الحسابات.
وربما أمكن ايجاد فذلكة لعملية قطع الحساب، بفصلها عن جسم الموازنة، استثنائيا ولمرة واحدة… كما التكويعة الدستورية المعتادة، لكن أي فذلكة أو اجتهاد يسمح بتمرير السلسلة في الموازنة، من دون تأمين التمويل الكافي لها، في ظلّ اجماع الوزراء على رفض فرض الضرائب في عزّ الموسم الانتخابي؟
الوزير السابق شربل نحاس رأى التمويل ممكن وغاية في السهولة: أوقفوا الهدر وحسّنوا الجباية… وكفى الله المواطنين شرّ المزيد من الضرائب والأتاوات…