سبق النزول القمعي للثنائي الشيعي الى الشارع، نزول مناصري التيار العوني الى ساحتهم المفترضة بساعات.
تحرك ” الثنائي” عندما أيقن أن الرئيس سعد الحريري لن يلتزم بشروطه ولن يقبل بترؤس حكومة معدة سلفاً، تركيبة ورموزاً وبرنامجاً، ولحقه “التيار الوطني” في نزول مشابه. قبل ذلك اكتفى الثنائي المذكور بهجمات متفرقة على تجمعات الانتفاضة في الجنوب وبيروت، وحرص التيار على تنظيم مسيرة تأييد إلى قصر بعبدا، إلا أن استنكاف الحريري وثبات الانتفاضة الجامعة ، وضعا ركني السلطة أمام الاستحقاق الداهم، إذ لا مفر بعد الآن من الذهاب إلى تشكيل حكومة جديدة تتحمل المسؤولية في المرحلة الصعبة وتتولى معالجة الوضع الاقتصادي والمالي الذي اقتيد البلد إليه على يد القوى إياها التي تنادي الانتفاضة بإبعادها.
لا يمكن تفسير التصعيد الخطير خلال الأيام الأخيرة سوى بالارتباط مع الولادة العسيرة للحكومة المنتظرة وقد سار هذا التصعيد على ثلاثة مسارات متوازية:
المسار الاول، استعادة الهيمنة في مناطق النفوذ المذهبي الطائفي، وهو ما حاول فعله “الثنائي” في صور وبعلبك، عبر الهجوم على تجمعات الانتفاضة الوطنية وإطلاق هتافات دينية تحريضية ذات طابع تبشيري في جمهور يتقن معرفة مذهبه ومحيطه.
وفي سياق مشابه تحرك “التيار الوطني”، فنظم تجمعاً على طريق بعبدا، مناهضاً لتجمع يطالب بحكومة بديلة، ثم أطلق مسيرة ليلية نحو بكفيا قيل أنها رد على مسيرة قصدت منزل رئيس التيار، جرى تحميل الكتائب مسؤولية تنظيمها.
المسار الثاني، تنظيم الهجمات الترهيبية على المعتصمين في الساحات كما حصل في الرينغ ووسط بيروت بهدف تخويف الجمهور المسالم وثنيه عن مواصلة احتجاجاته. هذه الهجمات لم تتوقف طوال 40يوماً من الهبة العامة، تخللها حرق خيم وتخريب أخرى واعتداءات على ناشطين، إلا أنها اشتدت في نهاية الأسبوع مع تمدد القمع إلى المناطق.
المسار الثالث، افتعال الاستفزازات لشد العصب الطائفي والمذهبي المناطقي، كما جرى في منطقة الشياح – عين الرمانة، وفي الصيفي – الأشرفية. ويندرج في السياق التخريب في طرابلس بهدف إسقاط نموذج ساحة عبد الحميد كرامي الحضاري…
بين قمع الاحتجاجات وتعميم التخريب واستنهاض العصب الحزبي المذهبي، تحرك ركنا السلطة على خلفية انسحاب الركن الثالث، سعد الحريري، وبدا أن ما يهمهما الآن ينحصر في الامساك بالحكومة العتيدة، على أنقاض المساحة الوطنية التي خلقتها الانتفاضة.