لا مفاجآت في ردود الفعل على تأييد الرئيس سعد الحريري ترشيح العماد عون لرئاسة الجمهورية. ولا كان أصلاً بين التوقعات أن يسارع الجميع الى القفز من فوق الوقائع بالرشاقة التي قفز بها الجنرال والشيخ. فما احتاج تغليفه الى شعارات فخمة رآه الموافقون والمعترضون كما هو في الواقع: قرار تسليم متأخّر ٣١ شهراً بما أراده العماد عون وطلبه حزب الله من البداية، مع الاصرار عليه من دون التأثر بكل ما جرى في البلد وحوله خلال الشغور الرئاسي. وما أظهره عون والحريري من مرونة في المواقف لضمان الوصول الى السلطة، يدفع الناس الى التساؤل عما سيفعلانه في القصر والسراي.
ذلك ان الدنيا تغيّرت في لبنان والمنطقة والعالم بأكثر مما نتصور وأسرع من قدرتنا على فهم التغيير والتخلّي عن المعادلات والمقاربات القديمة التي لم تعد تصلح للعمل في الأوضاع الجديدة. فمن يحذر من ثنائية مارونية – سنية جديدة يعرف انها صارت مهمة مستحيلة في واقع لبنان الحالي أو أقلّه ان حزب الله هو الشريك الكامل فيها. ومن يستذكر ميثاق ١٩٤٣ ودور الشيخ بشارة الخوري ورياض بك الصلح يجب أن يدرك أن نموذج الزعيمين الاستقلاليين ليس قابلاً للتكرار في ظروف لبنان الحاضرة والتبدّلات والتراجعات والقوى الجديدة التي ضربت استقلال الدولة ودولة الاستقلال حسب التعبير الذي استخدمه الرئيس فؤاد شهاب.
ومن السهل الحديث عن رفض التفاهمات الثنائية والثلاثية والرباعية للانطلاق من تفاهم وطني. لكن من الصعب عملياً أن يتخلّص حتى أهل الثنائيات من النزوع الى الأحاديات الطائفية والمذهبية. فما نحن فيه هو سلسلة ثنائيات. وما نهرب من الاعتراف به هو ان مجموعة تفاهمات ثنائية لا تقود الى تفاهم وطني. ولا أحد يجهل تحديات تركيب السلطة ثم ادارتها ورسم سياساتها والتوفيق بين تفاهمات مختلفة وأحيانا متعارضة: تفاهم مار مخايل بين التيار الوطني الحر وحزب الله. اعلان النوايا بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية. التفاهم الجديد بين تيار المستقبل والتيار الوطني الحر أو في الوضع الحالي بين الحريري وعون.
فضلاً عن ان الخلاف مع حليف الحليف لم يعد مقتصرا على حليفي حزب الله: حركة أمل والتيار الوطني الحر. فالخلاف قائم بين حلفاء التيار الوطني الحر: حزب الله والقوات اللبنانية، وتيار المستقبل وحزب الله. ثم ماذا عن الكتائب وأحزاب أخرى وشخصيات ترفض التصويت للعماد عون لأسباب مختلفة؟ وكيف سيدار التحالف الاستراتيجي بين الثنائي الشيعي اذا كان حزب الله والد العريس والرئيس نبيه بري رأس المعارضة؟
حتى أمهر لاعبي الأكروبات، فانهم يعجزون عن ادارة هذه اللعبة.