بدأ اللبنانيّون يتساءلون بقلق عما وراء أكمة “التحرّكات الاصلاحية”، ولماذا الآن؟ ولمَ لا يكون الفراغ الرئاسي هو الهدف الوحيد الآن، ثم لكل حادث حديث؟
الفساد ليس إبن البارحة. ولا يشكّل وجوده ونفوذه أية مفاجأة، باعتباره يكاد يكون توأم لبنان الملتصق به من قبل الدهور. والميزة الدائمة الحضور في كل عهود بلد الثماني عشرة طائفة وحالات الزمان عليه شتّى.
قبل الاستقلال بكثير كان الفساد حاضراً ناضراً. وبعده ازداد انتشاراً. قبل حرب البوسطة في عزّ مواسم الازدهار والانتشار والانبهار. وبعدها كذلك. قبل اتفاق الطائف وبعده. في ظلال الوصاية وظلال الزيزفون أيضاً، كما في ظلال وكلائها الذين قاموا ويقومون حتى الآن بالواجب على أكمل وجه. ليس كل اللبنانيّين حتماً، إنما السُمْعَة.
مما يثبت تاريخيّاً وراهناً أن بعض اللبنانيّين الأقحاح هم حقاً أحفاد أولئك الفينيقيّين الأبرار والأفذاذ. وما يُروى عنهم من مغامرات في مجاهل الأرض وبحارها، يمكن أن يُروى بكامل غرائبه عن الأحفاد الذين وصلوا قبل مئة سنة وأكثر إلى البرازيل والأمازون، وما يُصدَّق ولا يُصدَّق عن توغّلهم في مجاهل بلدان أميركا الجنوبيّة وأفريقيا، وأبعد…
ودائماً وأبداً في سبيل المزيد من الربح وتكديس الثروات حتى الرمق الأخير. وحكاية الملياردير اللبناني المصنَّف عالميّاً في طلائع الأغنياء زار بكل ثروته وملياراته لبنان ثم مسقط رأسه، من غير أن يمدّ يده إلى جيبه ويعطي فقيراً ألف ليرة.
تكديس المال. تكبير حجم الثروة. حتى الرمق الأخير. وأيّاً تكن الوسائل، والسبل، والمغامرات والمخاطر، وأيّاً يكن حجم الثروة. فعشق المال والربح والصفقات لا يبارح نفوس اللبنانيّين أينما وجدوا، ومهما بلغت مخاطر المغامرة ما دام الربح ينادي. وهل ننسى “رنّوا الفلوس على بلاط ضريحه، وأنا الكفيل لكم بردّ حياته”؟
هذه المقدمة المبسّطة التي لا جديد فيها، ولا غرابة في وقائعها، إنما القصد منها الإشارة إلى ما يشهده لبنان منذ أسابيع أو أشهر قليلة، على صعيد الصراعات على أكوام الزبالة التي تلفّ لبنان من أدناه إلى أقصاه، حتى بالنسبة إلى الذين امتطوها وسيلة لبلوغ غايات ليست غريبة عن اللبنانيّين.
يتساءل الناس، واليأس يسبقهم إلى الصباحات والمساءات، ماذا وراء جبال المبالغة في الاحتجاجات التي شلّت البلد أكثر مما هو مشلول، وإلى أين ينوون أخذ ما تبقى من هذا اللبنان؟
يُقال إن هناك أكثر من هدف. وأكثر من فريق. وأكثر من الاحتجاج على الفساد والفاسدين، مع أن المطلوب هو “تخليص” الاستحقاق الرئاسي. وتسيير التظاهرات وإعلان الغضب من أجل تحرير منصب الرئاسة على الأقل من “قبضة” المستقوين والخارج.
هنا بيت السؤال وعلامة التعجّب.