كل رؤساء لبنان من بشارة الخوري الى ميشال سليمان، تم اختيارهم خارج قبة البرلمان، وانتخبوا من دون منافس، باستثناء الرئيس سليمان فرنجية الذي فاز بصوت واحد على منافسه الرئيس الياس سركيس. فهل يصح ما جرى مع سليمان الجد على سليمان الحفيد؟
حتى اليوم لا يبدو أن الانتخابات الرئاسية ستخضع لميزان المنافسة، على الرغم من دعوة الداعين الى التنافس في انتخابات ديموقراطية، بعد المبادرة التي أطلقها رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع بتأييده ترشيح العماد ميشال عون، والتي يُخشى أن تكون قد أعادت الموضوع الرئاسي الى المربع الأول، وربما الى ما قبل المربع الأول.
وعليه يجب الاعتراف لسمير جعجع أنه لعبها جيدا. وشاء من شاء أو أبى من أبى، سوف يخرج زعيم القوات رابحا من هذه المعركة، وصل ميشال عون أم لم يصل الى سدة الرئاسة. فقد ضرب الرجل مجموعة عصافير بحجر واحد، بعد أن درس الوضع جيدا وصوب نحو الهدف.
أولا، قال جعجع للمسيحيين: «أنا الزعيم المسيحي» الذي لا يمكن تجاوزه أو تهميشه، الحريص على مكانة آخر موقع مسيحي في هذا الشرق، المتعالي عن الأحقاد والتركة الثقيلة التي خلفها صراعه المسلح والسياسي مع العماد عون خلال العقود الثلاثة الماضية.
ثانيا، وجه رسالة واضحة الى قوى «14 آذار» بأنه العمود الفقري لهذا التجمع على الصعيد المسيحي، فلا «كتائب» ولا «أحرار» ولا مستقلين، يمكنهم القفز فوقه.
ثالثا، أراد إحراج «حزب الله» وحشره في زاوية التفاضل بين حليفين حميمين، ووضع قوى «8 آذار» في حالة إرباك شديدة في خياراتها بين الرجلين.
رابعا، عرف كيف يستفيد من خطأ الرئيس سعد الحريري في ترشيح سليمان فرنجية من دون التشاور والتفاهم المسبق مع حلفائه المسيحيين، ورد التحية لتيار «المستقبل» بأحسن منها، لجهة التفرد في تسمية الرئيس الماروني للجمهورية اللبنانية.
خامسا، قال للبنانيين عامة، وللمسيحيين خاصة، إن ارتباطاته الخارجية لا تعيق قراره المستقل في الشأن الداخلي اللبناني، في إشارة واضحة الى المملكة العربية السعودية التي يقال إنها وصفت فعلته بالخطيئة الكبرى.
سادسا، أعاد خلط الأوراق الداخلية في الموضوع الرئاسي، فلا «14 آذار» ولا «8 آذار» ولا القوى المستقلة باتت موحدة في خياراتها الرئاسية، بحيث رُسمت خريطة جديدة في هذا الإطار ستكون لها تداعياتها المستقبلية.
هذه الخلاصة توحي بأن الموضوع الرئاسي ليس على طريق الحل كما قد يتوهم البعض، إن لم تكن الأمور قد تعقدت أكثر من السابق . فقبل تأييد «القوات» لم تكن لدى عون «خطة ب»، وبعد التأييد لن تكون لدى عون إلا «الخطة أ».. ونقطة على السطر.
وقد عبّر الرئيس نبيه بري بصراحة عن هذا المنحى عندما رحب بلقاء معراب، لكنه أشار الى أنه ليس كافيا لانتخاب رئيس. فالرجل يدرك جيدا المعطيات الداخلية والإقليمية في هذا الإطار، ويعرف أن الناخب الأكبر محليا وإقليميا، اي سعد الحريري والسعودية، لن يسير في خيار جعجع، وأن في استطاعته تعطيل العملية الانتخابية في ظل الخريطة الراهنة.
وحده سليمان فرنجية يمكنه أن يجمع بعض عصافير جعجع في سلته، من خلال انسحابه من السباق الرئاسي لمصلحة الجنرال، فلا تكون هناك منافسة ولا متنافسون، جريا على العادة، ما يُحرج الجميع ويكشف الكثير من الأوراق المستورة حتى اليوم. لكن هذا الأمر يلزمه الكثير من التشاور والتحاور الداخلي والخارجي والشروط والضمانات لوضع الأمور في نصابها، بحيث يكون اليوم التالي للثامن من شباط المقبل ذكرى ميمونة للموارنة في عيد مار مارون.