Site icon IMLebanon

لبنان ممرّ غير آمن

مستشفى في الشمال لمعالجة الطيور المصابة

 

 

” الله ييسّرلك أمرك “عبارة تسمعها من الدكتور ميشال صوان في أثناء إطلاقه سراح قسم من الطيور من مركزه العلاجي، خصوصاً تلك التي شفيت تماماً لتنضم مجدداً إلى مسار الطيور المهاجرة.

العلاج المنتظم والفعال من الجروح المتنوعة التي أصيبت بها برصاص الصيد الجائر في منطقة الضنيّه، هي المهمة الأساسية التي يمنحها لها مركز إعادة تأهيل وإنقاذ الطيور الجريحة في جرجور (قضاء الضنية)، إذ تحصل في خلالها على الفرصة الثانية التي تستحقها، والمركز مزود بالإمكانات اللازمة ولو المتواضعة للتعامل مع مرضاه من الطيور من كل الأحجام، بدءاً بالطيور المغردة وانتهاءً بالبجع، فيما يضطر صوان وشريكه خبير الطيور فادي حبيب للإحتفاظ بالطيور المصابة بإعاقة ما، باعتبارها فقدت لياقتها على الطيران ما يشكل تهديداً لحياتها.

 

لا يبخل صوان وحبيب في السهر أحياناً ومنذ قرابة الـ 11 عاماً، على إنقاذ حياة الطيور البرية التي أصيبت بجروح في خلال رحلتها الطويلة للهجرة إلى مناطق دافئة في إفريقيا، هرباً من الشتاء القاسي شمال أوروبا، عبر تقديم العلاج المطلوب لجراحها التي تتراوح بين المتوسطة والشديدة؛ حيث يشكل لبنان ممراً رئيسياً للطيور المهاجرة عبر العالم، في فصلي الربيع والخريف.

 

ويوضح صوان وهو خبير طيور وبيولوجيا طيور من جامعة Cornell – lab bird في حديث إلى ” نداء الوطن “: “المبادرة أخلاقية بالدرجة الأولى، فنحن نشفق على هذه الطيور ونشعر بالذنب الذي يرتكبه البشر بشكل عام بحقها، ننقذ حياتها منذ العام 2009، ويعود قسم منها إلى الطيران في نهاية المطاف، بعد تعافيها تماماً، والفارق بين الطيور الجارحة والعادية في حال أصيبت هو أن الاولى لا يمكنها ملاحقة الطريدة، لأن ذلك يحتاج إلى قوة وسرعة، بينما الثانية بإمكانها أن تتدبر أمرها كأن تأكل حبة فواكه”.

 

 

الحرية لمن استعاد لياقته

 

ويكشف حبيب الذي يعمل أستاذ مدرسة عن أسباب انطلاقة هذه المبادرة النبيلة “آنذاك إنتشرت رقعة الصيد الجائر في المنطقة من دون رقابة، وازدادت أسلحة الصيد بين أيدي الناس وكذلك “ماكينات الصيد”، فبادرنا إلى خطوة تراعي محاكاة ظروف معيشة هذه الطيور في البرية، ومنذ ذلك الحين تخضع كل حالة بمفردها لاستشارة طبيبة بيطرية تعمل كمسؤولة عن حديقة الحيوانات في وارسو في بولندا، لنشتري بعدها الدواء المناسب لكل حالة، وكل طائر يتعافى نطلق سراحه، آخذين بالاعتبار أنماط الهجرة وأحوال الطقس، وفق حبيب.

 

وفي بعض تفاصيل هذه التجربة نجد أن بعض الطيور تموت أثناء فترة العلاج وفي حال طالت هذه الفترة لأكثر من شهرين من الإصابات الشديدة، كالإعاقة التي تمنع الطير من الطيران مثل العمى أو بعين واحدة أو يعاني من اختلال في التوازن، أو الشلل بإحدى رجليه أو الإثنين معاً، فإنه يبقى في القفص، لأنه فقد لياقته وتكون نسبة بقائه على قيد الحياة 10 % في حال أطلقنا سراحه مقابل 60 إلى 100 % للطيور التي شفيت تماماً.

 

ويعالج المركز أنواعاً كثيرة من هذه الطيور الجارحة مثل الكرك واللقلق والعقاب ونسر البادية والنسر الذهبي والنسر المرقط (الكبير والصغير) والحوام الشائع وحوام النحل الاوروبي ومرزة المستنقعات وصقر الجراد، الكوبج، شاهين، والنسر الأسود، والبجع. طيور تحتاج إلى 23 كيلو دجاج يومياً، وتدفع بالشريكين إلى زيارة المسالخ لجلب رقاب الدجاج لاستكمال وجبات الطعام لها، خطوةٌ تساهم بالتخفيف من الأعباء المادية عن كاهلهما.

 

 

حياة الطيور فشة خلق

 

وعن عدد مرضاه يقول حبيب: “لدينا اليوم 80 طيراً، 70 منها معاقة و10 إضطررنا لشرائها من السوق السوداء (تجار الطيور) بهدف إنقاذها من هذه الأسواق غير الشرعية، ومنعاً لتهريبها عبر الحدود مع سوريا، معظمها سُرقت من أعشاشها ومن بينها طيور نادرة ومهددة بالإنقراض”، واصفاً وضع الطيور في لبنان بالمزري جداً، “لأن نسبة الوعي عند الصياد اللبناني هي تحت الصفر، أما الواعي فنادراً ما نصادفه”، سائلاً: “لماذا تحولت الطيور إلى ضحية الصيد الجائر؟ وهل يحق للصياد أن “يفش خلقه” بالطيور نتيجة غضبه ومعاناته من الأوضاع الإقتصادية والمعيشية الصعبة؟” ليتحول الصيد من هواية نبيلة إلى هواية تحقيق الغايات الإجرامية، حتى بعد انقضاء موسم الصيد في الـ15 من الشهر الحالي، والمواسم السابقة أكبر دليل على ذلك، يقول مستغرباً.

 

ويتلقى المركز دعماً معنوياً باستمرار من السفارة البولندية، وأحياناً يكون الدعم مادياً، وعدا ذلك يدفع الشريكان التكاليف كافة من حسابهما الخاص، وبكل سرور مقابل رؤية هذه الطيور وهي تتعافى.

 

السياحة البيئية تدفع الثمن

 

بدوره يُشدد صوان على أنه يموت في لبنان ودول الجوار في موسمي الهجرة حوالى 19 مليون طير، وفق ما أظهرت أحدث دراسة حول الطيور المهاجرة في المنطقة، لافتاً إلى أنه رقم مخيف جداً، خصوصاً أنه بيّن معادلة “كل مواطن لبناني يقتل 4 طيور سنوياً”، معتبراً أن لبنان لا يزال يتناسى أن الكثير من الطيور المهاجرة تساعد على إنقاذ “ما تبقى من البيئة” فيه، معطياً مثال طائر اللقلق الذي يغط على شجر الصنوبر كي ينام وعندها يأكل دودة الصندل، هو والباشق والصفراية وطائر الكوكو وحتى البوم، طيور تحمي الإنسان منها لكنها للأسف… تتعرض للقتل.

 

مراقبة الطيور

 

وكان الشريكان صوان وحبيب من أول من شجعوا على تنمية السياحة البيئية التي تدر مداخيل كبيرة على خزينة الدولة، كون لبنان يُشكل موئلاً لمعظم الطيور في العالم، حيث يرى صوان أن أبرز وجوه هذه السياحة هو هواية “مراقبة الطيور” التي يقوم بها أفراد وجمعيات أوروبية، بتشجيع من السفارتين البولندية والالمانية أهمها جمعية GROUPA Eckologyzna الدولية، مبدياً أسفه حيال تراجع أعدادهم وزياراتهم بسبب ما شاهدوه من”فظائع” الصيد الجائر في ظل غياب تام لوزارة البيئة والقوى الأمنية عن لعب دورها، أو غض النظر عمّا يحصل، وكذلك تقصير الجمعيات البيئية وقيامها بأدوار وهمية، وهذه مشكلة كبيرة نعاني منها حالياً.

 

مشكلة باتت بحاجة الى سلة من الحلول المترابطة، يؤكد عليها حبيب ومنها:1- إنشاء ضابطة بيئية في كل لبنان، 2- المتابعة الفعلية للشكاوى التي ترفع بحق الصيادين المخالفين، 3- التشديد في إجراءات وزارة البيئة والقوى الأمنية والجمعيات البيئية بحقهم خصوصاً بعد 15 شباط، 4- رفع سعر الخرطوش( خارج موسم الصيد) عندها ينخفض استهلاكه، ورفع نسبة الغرامة على الصيادين المخالفين، 5- تخصيص رقم هاتف للشكاوى والمخالفات، 6- التدقيق بأدوار الجمعيات البيئية التي يحصل الكثير منها على أموال مقابل مشاريع وهمية، 7- مساعدتنا في نشر التوعية البيئية المجانية في المدارس حيال الصيد الجائر