ولبنان الجديد آت… وهو سينطلق من رحم الأزمات شديدة الوطأة على الناس الذين أوصلتهم الطبقة الحاكمة الى هذه الهاوية، جراء تراكمات كثيرة، بلغت ذروتها منذ مطلع التسعينات حتى اليوم، على قاعدة التواطؤ الذي كان قائماً (وبامتياز) بين المسؤولين والوصاية السورية، وهو ما يعرفه الجميع من دون استثناء.
وإثر سقوط الدور السوري المباشر في لبنان وجدت الطبقة ذاتها نفسها شبه مكشوفة فقام تواطؤ آخر غير مسبوق، في التحالف الهجين في الانتخابات النيابية بين ركني 8 آذار (حزب الله وحركة أمل) وأركان 14 آذار (تيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي وحزب الكتائب وحزب القوات اللبنانية) ولم يبقَ خارجه إلاّ التيار الوطني الحر الذي استبعد عن هذا التحالف في محاولة لإقامة سد في وجه العماد ميشال عون الذي أطلق عليه وليد جنبلاط التسمية الشهيرة »تسونامي«.
وأثبتت الوقائع أن هذه الأطراف، كلها، تعاملت مع واقع البلد من حيث مصالحُها المباشرة. والدليل الأكبر ما شهدته الانتخابات النيابية الأخيرة إذ أقيمت التحالفات بـ»القطعة«، مثال ذلك: التيار الوطني الحر ضد حزب الله في أحد أبرز معاقله (جبيل)، ومتحالف وإياه في بعبدا الخ… وما يصح على التيار البرتقالي وحزب الله، يصح أيضاً عليه وعلى التيار الأزرق، إذ كانا حليفين في دائرة ومتواجهين في دائرة ثانية الخ…
فأين الموقف المبدئي؟ بل على أي قاسم مشترك (ولا نقول جامع مشترك) كان التحالف هنا والمواجهة هناك بين الطرفين إياهما؟!. أوليس أن ذلك كله مؤشر فاقع على السعي الى تحقيق المصالح. علماً أن ما ينطبق على الأطراف التي ذكرناها أعلاه ينطبق على الأفرقاء كلّها على الساحة اللبنانية.
ولا ندخل في دور التحالفات مقابل المال، لدرجة أنَّ كثيرين ممن امتلأت جيوبهم بالثروات الطائلة تقدموا بالترشح الى الانتخابات واجدين دائماً، وأبداً، رؤساء لوائح وزعماء يفسحون لهم في المجال على لوائحهم.
تلك هي العقلية التي تتحكم بالطبقة الحاكمة، سيان بين مَن كان في صلب المسؤولية الرسمية أو مَن كان خارجها. وأما المشاريع وتقاسم المغانم فهو وقف على الأطراف التي لها القدرة على الهيمنة على الصناديق والمجالس والهيئات التي استأثرت بثروات طائلة، منذ »وادي الذهب« وحتى الأمس القريب.
وكان طبيعياً أن تنتهي هذه الممارسات بدفع الناس الى الشارع… لقد نزل اللبنانيون الى الشارع لأنهم »انفجروا« جراء الضغوط والفجور في الفساد… ما فاق طاقتهم، حتى ضاق الصبر من صبرهم.
وهذا اللبنان لن يعود ولا يجوز أن يعود… وأما ولادة لبنان الجديد فدونها أوجاع حادة!
خليل الخوري