Site icon IMLebanon

مطران ما بعد بعد حيفا

 

 

 

خلال حرب تموز قبل 16 عاماً أطلق الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصرالله معادلة «ما بعد بعد حيفا» ليعود اليوم ويطلق معادلة «ما بعد بعد كاريش» مرفقاً ذلك بعمليات نوعية من الدعاية السياسية والتعبئة الوهمية، بينما كان في مقلب آخر ينقضّ على الداخل وينفِّذ عملية حصار وإطباق على البطريركية المارونية، مستهدفاً راعي أبرشية حيفا والأراضي المقدسة والنائب البطريركي على القدس والأراضي الفلسطينية والمملكة الهاشمية بالطائفة المارونية المطران موسى الحاج، ليتأكّد للبنانيين أنّ بأس الحزب وقوّته الفعلية موجّهة نحو الداخل وأنّ المعادلات الإقليمية كفيلة بتحويله إلى حامٍ للحدود الجنوبية بعد تأكيد انتهاء الأعمال القتالية إلى غير رجعة في هذه الجبهة.

لم يظهر الانقسام في الشارع المسيحي حول قضية المطران بشكل واضح بسبب تزامنها مع استحقاق انتخاب رئاسة الجمهورية، نظراً لحاجة جميع الأفرقاء إلى مراعاة بكركي، بمن فيهم المتواطئون على المطران الحاج من شركاء السلطة، وهذا ما دفع بالنائب الأسبق سليمان فرنجية إلى الحضور للديمان متمايزاً عن التيار الوطني الحرّ، ولولا ذلك لوجدنا أنّ الانشطار المسيحي اتخذ أشكالاً فاقعة.

خطيئة ممثلي السنّة: تنازلوا فتعرّضنا للاضطهاد

أخطأ من تولّى تمثيل أهل السنّة خلال السنوات الماضية في قبول التهمة التي ألصقها «حزب الله» بطائفتهم وهي تهمة الإرهاب، فأُدخلوا معسكرات الاعتقال أفواجاً أفواجاً، وخضعوا لمحاكمات جائرة تحت سيطرة الحزب وهيمنته على القضاء بشكل عام، ليعيشوا عقوداً من الاضطهاد الأمني والسياسي، وكانت المفارقة أنّ تيار المستقبل الذي تصدّر هذا التنازل، لم يسلم من الاتهام بالداعشية والإرهاب، رغم أنّه تواطأ وسمح باعتماد معايير الحزب لاتهام السنّة بالإرهاب في القضاء.

حتى لا يكرّر المسيحيون خطيئة المسلمين

اليوم، يقف المسيحيون، والموارنة خصوصاً أمام هجمة مماثلة، هدفها إسقاطهم في مستنقع الاتهام بالعمالة لـ«إسرائيل»، وهذا سيؤدي إلى تداعيات خطرة سوف تتسلّل تدريجياً إلى الحياة اليومية وتعمل على تفكيك المجتمع المسيحي وتفتيته وتعزيز عوامل الصراع الداخلية فيه، واختراقه بتشكيلات أصبحت موجودة فعلاً، على شاكلة «سرايا المقاومة»، تباشر خلخلة الأمن الاجتماعي وإثارة القلاقل، وما شهدناه في الأيام الأخيرة من وصول ظاهرة إلقاء القنابل في جونية وبعض المناطق الأخرى، سوى مؤشر أوليّ لطبيعة التحوّلات التي سيشهدها الشارع المسيحي.

أخطأ السنّة حين سكتوا على اتهامهم بالإرهاب ويخطئ المسيحيون بسكوتهم على تهمة العمالة، وهي توجّه لكنيستهم وبطريركهم ومطرانهم، بينما أصبحت العمالة لإيران أمراً «طبيعياً» وغير قابل للنقاش بنظر محور الممانعة في لبنان.

كيف نواجه تسخير الأمن والقضاء لصالح الحزب؟

التحدي الكبير الذي سيواجه السنّة والمسيحيين وسائر اللبنانيين المعترضين على المشروع الإيراني في لبنان، هو تمادي «حزب الله» في تسخير أجهزة الدولة الأمنية والقضائية في استهدافهم، فأيّ تحرّك اعتراضي سيواجه بتسليط قضاة معرّضين للمساءلة أمام مرجعياتهم القضائية، إلى استهداف القيادات الفاعلة، حتى لو كانت كنسيّة، بعد أن أصبح استهداف العلماء المسلمين أمراً معتاداً..

هذه التجربة استخدمتها إيران في العراق على نطاق واسع، عندما سخّرت الجيش والقوى الأمنية والحشد الشيعي بعد تشريعه، لضرب مناطق السنّة ومعاقلهم، في ذروة ثوراتهم السلمية، واستطاعت بهذه الوسيلة إخضاع مناطقهم للاحتلال بوسائل عراقية.

لا يزال الجيش اللبناني محافِظاً على رؤيته ومساره الوطني، رغم كلّ أفخاخ السلطة، لكنّ الإصرار على دمغ التطاول على الكنيسة المارونية بختم القضاء، سيجعل القوى الأمنية جمعاء في حالة حرج واضطراب، لهذا يجب التحرّك لوقف تقدّم حملة الحزب على بكركي بكلّ الأشكال المتاحة، ويجب على القادة الدينيين، مسلمين ومسيحيين، الاتجاه للتعاون والتعاضد، ولو أنّ لدى الرأي العام السنّي مأخذاً على المسيحيين السياديين، بأنّهم تجاهلوا عدالة قضيتهم ولم يساندوهم لمواجهة التشويه بالإرهاب الذي مارسه «حزب الله» ضدّ أهل السنّة. لا يمكن خوض هذه المواجهة بدون تكاتف دار الفتوى والكنيسة المارونية، وتجديد الميثاق للحفاظ على لبنان، ولهذا فإنّ السكوت على ممارسات «حزب الله» في السياسة والانزلاق إلى معالجة تداعيات ممارساته الأمنية والقضائية بشكل جزئي، يعني نجاح الحزب إدخال المسيحيين إلى المستنقع، وخطاب البطريرك الراعي الصادر عنه في الديمان هو الخطاب المطلوب والمجدي في مقارعة حملة عنصرية طائفية بغيضة.