“توقف مجلس المطارنة الموارنة عند الدعوة الى جلسة تشريعية تحت تسمية “تشريع الضرورة”، معتبرين ان الضرورة الشرعية والوحيدة والملحة في هذه المرحلة، والتي يوجبها الدستور، هي انتخاب رئيس للجمهورية، وما عدا ذلك يعتبر مخالفة صريحة للدستور.”
هذا ما جاء في بيان المطارنة الموارنة الشهري ليوم امس. وهلل المطارنة، طبعاً، لانهم تواطأوا مع شركائهم في السلطة السياسية فعطلوا اقرار سلسلة الرتب والرواتب، فيما كان البطريرك يعلن عبر أمانة سره انه غير معني بالموضوع، ويتركه للامانة العامة للمدارس الكاثوليكية، تلك الامانة التي لا تملك سلطة الرقابة على مدارس امتهنت النصب والاحتيال، وتزيد اقساطها سنوياً بنسب تتعدى غلاء المعيشة في لبنان، وتسبق الزيادات على الرواتب.
سنظل من أشد المدافعين عن المدرسة الكاثوليكية في لبنان، لانها الوحيدة الاقرب الى العلمنة، وهي المحتوى للتنوع في البلاد، ومركز التعايش والتعدد. ونشهد على اوضاع مالية قاهرة تعانيها مدارس صغيرة نسبياً، وبعيدة جغرافياً من المدن الكبرى. لكن، في المقابل، ثمة ما هو غير مقبول لدى ادارات مدارس اخرى، كاثوليكية وغير كاثوليكية، ترفع الى وزارة التربية موازنات سنوية وهمية، تتضمن رواتب خيالية لمديرين ومستشارين من الاقارب والمحسوبين.
واذا كان البيان الشهري يؤكد اولوية انتخاب رئيس، فليس له اعتبار كل تشريع آخر مخالف للدستور، اذ يفهم منه ان اولويات الناس لا تدخل في صلب اهتمامات السادة المطارنة. لا يهمهم اذا لم تتوافر رواتب آخر الشهر للعسكريين المنتشرين على الحدود البقاعية والشمالية، او للموظفين الذين ينتظرون بفارغ الصبر رواتبهم ليسددوا منها اقساط المدارس والقرطاسية والثياب المعتمدة للرياضة من اغلى المحال، فالقريبون منهم من اصحاب رؤوس الاموال لا ينتظرون معاش آخر الشهر، ولا يدخلونه في “تشريع الضرورة”.
ولا يدخل نقص المياه في باب “تشريع الضرورة” والمواطنون يشترون يومياً آلاف الليترات من مياه غير نظيفة، لكنها تسد حاجة لا يشعر بها الرؤساء والوزراء والنواب والمطارنة والمفتون لان حاجاتهم مؤمنة، ولو من مال الناس الذين يستمعون الى كلام فارغ عن استيراد للمياه من تركيا وخطط اخرى تعلن للملأ ولا ينفذ منها شيء.
وانقطاع الكهرباء بسبب الفساد لا يعتبر “ضرورة” لان مولدات دوائر الافتاء والمطرانيات لا تنقطع، وثمة المزيد منها لحالات الطوارئ. ولا ضرورة للسؤال عن اوضاع المسيحيين حيال اللاجئين من سوريا والعراق.
إن انتخابات الرئاسة لا شك ملحة، لكنها ليست وحدها الضرورة في بلد الضرورات الكثيرة والملحة. والرئاسة، في ما آلت اليه، تقع على عاتق الموارنة انفسهم بسبب تعنتهم، واحقادهم، ومعاركهم المتوارثة والمتجددة.
فيا سادتنا، ادعموا التشريع لمصلحة رعيتكم، لتبقى لكم رعية.