IMLebanon

خطف المطرانين.. وسياسة «العنف الناعم»

لا يصحّ المثل الانكليزي «no news.. good news»، اي غياب الأخبار يعني أن كل شيء على ما يرام، في قضية خطف المطرانين بولس اليازجي ويوحنا ابراهيم في حلب. شحّ الأخبار هنا يعني الحفر في جرح يلف الشرق بأسره. إنه الجرح المسيحي الذي لا ينفك يتسع بتنوع الخناجر التي تصيبه. من إفراغ العراق من مسيحييه إلى اضطهادهم في سوريا ومحوهم من خارطة السكان الأصليين، كما حصل في ليبيا وتونس وأكثر من بلد عربي كمصر والأردن… وصولاً الى «ظاهرة» خالد ضاهر في لبنان.

المضحك أن من يريد أن يخفف من وطأة «الطائفية» في كلام ضاهر عن تدمير الرموز المسيحية يقول إنها حالة موجودة داخل كل الطوائف. وكأن الشواذ تربع على القاعدة وبتنا في صدد محاكمة القاعدة وليس العكس.

قضية لا عراب لها. «وكأن دم المسيحيين محلّل»، برأي رئيس الرابطة السريانية حبيب افرام، «لا أحد يقول كلمة عن قضية المطرانين. لا دول ولا أحزاب. يسأل عن أجهزة الاستخبارات وعن الجثمانين في حال أن الخاطفين قتلوا المطرانين». مشبهاً إياها بـ «قضية موسى الصدر المسيحية». يستفيض في التساؤل عن الألغاز المحيطة بالملف. فلا مطالب للخاطفين ولا فديات ولا سياسة». ما يقارب 650 يوماً مرت على عملية الخطف ولا أحد تبرع بإعطاء اي معلومة. بحرقة يقول: «المطرانان ليسا دجاجتين، وإنما هما اميران من أقدم كنائس الشرق».

قد يمكن فهم القضية من منظار يشمل مآزق المسيحيين في أكثر من بقعة. في النيجر ثار مسلمون وحرقوا كنائس. يقول افرام: «لم يصدر أي بيان إسلامي يستنكر. وفي سهل نينوى اقتلع المسيحيون منه، حيث الحضور المسيحي يعود الى 6 آلاف سنة في تلك المنطقة والعالم يتفرّج. ولم نشهد الغارات الاميركية الانتقائية الا بعد وصول الموسى الى الأكراد». بعيداً عن نظرية المؤامرات، لا يمكن اغفال استهداف المناطق المسيحية في سوريا من صيدنايا وغيرها وخطف رجال دين مسيحيين فضلاً عن الحقد المتـمادي ضد الأقباط في مصر.

كل هذا العنف الدمويّ ضد المسيحيين يقابله «عنف ناعم» عبر تأشيرات الدخول الى المجهول. إنه الإفراغ البطيء للمسيحيين عبر الترغيب. كل يوم تزداد دعوات الديبلوماسيين لـ «شحن المسيحيين الى الغرب لأن اوضاعهم صعبة حيث يتواجدون». «الكوتا المسيحية» ايضاً يمكن إدراجها ضمن ترغيب المسيحيين بالهجرة. ينقل عن أحد السفراء الأجانب قوله: «هل نتركهم يموتون في العراق؟». وهكذا يتم اقتلاع المسيحيين من أراضيهم بذريعة العجز عن حمايتهم وتحسساً بأوضاعهم الانسانية. «أنتم بذلك تكملون ما بدأه داعش»، يقول افرام، فهو، أي «هذا التنظيم الدموي يذبحهم فوراً وأنتم تهجرونهم.. اي تقتلونهم ببطء».

وعليه، تبدو «التكاملية» واضحة في تحقيق هدف إفراغ المنطقة من مسيحييها بين سيف «داعش» وأخواته وتأشيرات سفارات الغرب. إنه ذبح لمصير رائد العزة المشرقية الذي يبدو مسلوباً.

قد يرى البعض مبالغة في تصوير سوداوية المشهد المسيحي. لكن افرام يعرض مخاطر هذا الشعور وأولها في «إنكار المشكلة من خلال القول إن هناك مشاكل إقصاء لدى الجميع، وكأن الموت في كل المنازل يفرض عدم الحزن على رحيل الفقيد في منزله. يقال إن عدد المهجرين في سوريا 4 ملايين من بينهم السني والشيعي وايضاً المسيحي، ولكننا نقول إن المشكلة تكمن في أن الحضور المسيحي هو الذي يتأثر الى حد الانتفاء».

من سوريا الى ليبيا وتونس وغيرها… المشهد يكمل نفسه في القوانين التي تكرس الإقصاء وتآكل الجسم المسيحي. والأخطر أن «نبدو وكأننا تطبّعنا على أننا لا نريد أن نفعل شيئاً عبر استسهال الحجة. إنها حرب ثقافية فكرية إعلامية». ليست تصريحات عاطفية أن يطلب من يهود العالم العودة الى حضن الكيان الاسرائيلي وآخرها دعوة بنيامين نتنياهو يهود اوروبا للعودة الى الأراضي المحتلة عقب هجوم كوبنهاغن.

نحو سنتين مرّتا على خطف المطرانين والتناقض يلف هذه القضية المسيحية الشائكة والمتروكة. قال اللواء عباس ابراهيم كلاماً جيداً منذ تسلمه الملف. والرابطة السريانية التي تواصل اتصالاتها مع المعنيين تثق به، ولكن افرام يصف الوضع بـ «المكربج». فالمنطق يقول إنه من غير المعقول أن أحداً لا يعرف شيئاً عن عملية خطف حصلت في منطقة محددة جغرافياً وتقع تحت سيطرة المعارضة السورية أو أحد فصائلها.