IMLebanon

اللبنانيون بمواجهة تحالف الحكومة والكورونا في بسري

 

بناء السد مستمر وفوق كل الأولويات

 

 

وكأن الكورونا حليفة السلطة! أدخلت الناس في الحجر ليتسنّى للحكومة العمل براحة من دون مواجهة اعتراضات تذكر. وها هي الحكومة تستغل الوضع وتقرر الاستمرار في مشروع سد بسري، على الرغم من الاعتراضات الشعبية والعلمية التي تطالب بوقفه، وتفنيد مخاطره وضرره على البيئة.

وهكذا قرّرت حكومة حسّان دياب الإستمرار بنهج السلف والمضي بصفقة سد بسري الذي يحذّر ناشطون من كلفته المرتفعة على البيئة، إذ يهدد بتدمير الأراضي الزراعيّة والأحراش والمواقع الأثرية في أحد أهم الوديان في لبنان. على الإثر استنكرت الحملة الوطنية للحفاظ على مرج بسري قرار الحكومة الذي غافلها. في حين يؤكد وزير البيئة دميانوس قطار لـ”نداء الوطن” أن استكمال المشروع جرى “بعد أن أنجزت دراسة التعويض الإيكولوجي في آذار، والتي كانت مطلب الحملة”. لكن الناشطة في الحملة أماني بعيني، تتوعد عبر “نداء الوطن” بعدم السماح لأي آلية بالدخول والعمل في المرج، حتى لو اضطروا إلى كسر قرار التعبئة العامة.

 

وفي حين تتوجه أنظار المواطنين إلى وزارة البيئة يؤكد الوزير أن وزارة الطاقة هي صاحبة المشروع وأن وزارة البيئة قالت “لا يمكنكم الاستمرار بالمشروع قبل إعداد دراسة التعويض البيئي، فأنجزت الدراسة في آذار، وقام بها مستشارون دوليون وجرى الالتزام بالمعيار الدولي، لكنّ العبرة في التنفيذ”. ووفق قطار فقد أكد قرار مجلس الوزراء على الطلب من وزارة الطاقة التواصل مع كافة الناس في هذا الخصوص. وعن دور وزارة البيئة في حال تمت مخالفة البنود المذكورة في الدراسة، يقول قطار بأنه “لدى حصول المخالفات تُبلّغ وزارة البيئة النيابات العامة للتحرك، ولا تملك الوزارة شرطة لقمع المخالفات”. حول رأيه الشخصي في السد، يقول قطار أنه وصل إلى الوزارة بينما كان المشروع في مرحلة متقدمة.

 

وفي حين توقع الناشطون والبيئيون الذين عارضوا المشروع بأن تولي الحكومة أهمية لمشاريع أخرى أكثر إلحاحاً في ظل الأزمة الإقتصادية التي فاقمها خطر انتشار فيروس “كورونا”، فوجئ هؤلاء بقرار الاستمرار في مشروع بناء سد بسري، مستغلة غيابهم عن الأرض. ما دفع بحملة الحفاظ على السد لإصدار بيان اعتبرت فيه ان قرار الحكومة “الإستمرار بصفقة سد بسري هو خضوع لأصحاب المصالح المنتفعين من المشروع عبر مجلس الإنماء والإعمار”. وتبلغ قيمة المشروع 625 مليون دولار هي قرض من البنك الدولي. ما طرح تساؤلات إضافية عن استمرار الحكومة بنهج الاقتراض لتنفيذ مشاريع مضرة بالبيئة في وقت تعجز فيه عن الإيفاء بإلتزاماتها المالية وسداد ديونها، كذلك في وقت تتطلب في أزمة الكورونا تجنيد الجهود والإمكانات والأموال لمكافحتها، وهو ما عبر عنه ناشطون من مختلف المجموعات التي نشطت قبل وبعد انتفاضة 17 تشرين، ما دفع الحملة وكذلك نواباً وأحزاباً باتت خارج السلطة للطلب من الحكومة بالاتفاق مع البنك الدولي من أجل تغيير وجهة استعمال الأموال، واستخدامها لإغاثة المواطنين الذين باتوا يعانون من ضائقة مالية خانقة بسبب الأزمة المالية والتعطيل عن العمل خشية انتشار فيروس “كورونا”.

 

وخلال انتفاضة 17 تشرين دخل ناشطون من الحملة الوطنية للحفاظ على مرج بسري إلى المرج، وطردوا منه آليات مجلس الإنماء والاعمار، ونصبوا الخيم لحراسة المرج ومنع استكمال أعمال التعدي عليه وتدمير أشجاره وأرضه. وبعد أن فرض انتشار فيروس “كورونا” على المواطنين الحجر في منازلهم خشية انتشاره، خفتت كثيراً الاحتجاجات في الشارع. ويبدو أن حكومة دياب اعتقدت أن بإمكانها العودة إلى ما قبل 17 تشرين، وإعادة الآليات إلى المرج. لكنّ بعيني تعبّر عن ثقتها باستعداد مواطنين وناشطين للعودة إلى المرج وحمايته. ووفق بعيني فإن الشباب بدأوا بمراقبة المرج، “وفي حال اضطر الأمر سيصار إلى نصب خيم، فلن نسمح لأي آلية تابعة لمتعهد تدمير البلاد وامبراطورية الصفقات بالدخول إلى المرج”. ويبدو أن للثائرة ثقة بأن الناشطين لن يكونوا وحدهم بمواجهة إصرار حكومة ما بعد الانتفاضة على سياسات ما قبلها، إذ تؤكد البعيني أن عدد المعترضين لن يكون قليلاً وسيقفون بالمرصاد هم وأهالي المنطقة، “فالدم يغلي لأن السلطة بلغت من الوقاحة ما لا يمكن الرضوخ له”. وتؤكد البعيني أن الثوار لن يقبلوا باتخاذ أزمة الكورونا غطاءً لتمرير صفقة سد بسري، “وقد ندعو لاعتصامات ولو بكسر قرار التعبئة العامة الذي سيكون رهن خطواتهم المتهورة. صفقة بسري لم تمر وإن في زمن الكورونا”.

إعتراضات كثيرة ولا من يصغي

 

وكان للناشطين والثوار تحركات كثيرة وجهود كبيرة بذلوها منذ سنوات في محاولة لإيقاف مشروع سد بسري، مستندين إلى تجارب سابقة تتعلق بمشاريع السدود التي أنشئت سابقاً وشكلت فشلاً، كما استندوا إلى آراء ودراسات علمية توجهوا بها إلى المسؤولين المعنيين والوزراء من دون أن يأخذ بها هؤلاء. فأصرت وزارة الطاقة على المضي بمشروع السد الذي سيدمر أحد أهم الأماكن الطبيعية في لبنان، المليء بالأشجار المعمرة والذي يضم تنوعاً مهماً. وكانت الحملة وبعد أن فقدت الأمل من إيصال رسالتها إلى السلطة والحكومة السابقة، قد نفذت في آذار من العام الماضي اعتصاماً أمام مقر البنك الدولي في بيروت، لمطالبته بإيقاف تمويل المشروع، واتهموه يومها “بالتواطؤ في المشروع لأهداف خبيثة، بينها إخضاع لبنان لديونه وفوائدها”.

 

وفي حزيران من العام الماضي طالبت الحملة رئيس مجلس النواب نبيه بري بتشكيل لجنة تحقيق برلمانية للنظر والكشف عن كامل الارتكابات والفضائح في ملف مشروع سد بسري، والتي أشارت إليها وعرضتها في مؤتمر صحافي. وفي ضوء ما وصفته بـ “إخفاء الدراسات العلمية والانتهاكات والارتكابات والتلاعب في نتائج التقارير العلمية وتحريف الحقائق وتغيير الخلاصات العلمية حول وقوع سد بسري على فالق زلزالي ناشط”. وكذلك طالبت أيضاً وزير العدل بـ “الإيعاز إلى القضاء المختص بفتح تحقيق فوري يكشف عن كامل الارتكابات في ملف مشروع سد بسري وسوق المرتكبين إلى العدالة، وبالإيعاز لمجلس شورى الدولة للإسراع بالبت في الدعوى المقدمة أمامه ضد المشروع”. لكنّ أياً من مطالبها لم يؤخذ على محمل الجدّ والتنفيذ.

 

طبيعة المرج لا تسمح ببناء سد والتجارب لا تشجع

 

وبحّ صوت الخبير الجيولوجي الدكتور سمير زعاطيطي وغيره من العلماء لكثرة ما حذّروا من خطورة تنفيذ مشروع السد الذي يفترض به أن يؤمن المياه لبيروت وجبل لبنان. ولخّص زعاطيطي فكرة السد، كما يراها، عبر منشور على “فيسبوك” جاء فيه: “عصابة سدود مش شايفة إلا 625مليون $ بدهم يشفطوهم بيقطعوا الشجر بيغطوا مرج بسري بباطون مفسخ زفت بيجمع مياه ملوثة لتسليمه لبيروت”. إذ يرى زعاطيطي بأن المنطقة غير صالحة جيولوجياً لإقامة سد، “فالوادي تحته فراغات إخترقتها الحفارات في 5 آبار على الأقل في مرج بسري. والفرنسيون قالوا أنه وادي إنخسافي إنهدامي بين مرتفعات جزين ومرتفعات باتر”. كذلك تحدث زعاطيطي عن تجارب السدود السابقة في لبنان والتي بلغت تكلفتها مئات ملايين الدولارات وفشلت في تجميع المياه وتأمينها للمواطنين: سد بريصا، شبروح، القيسماني…