أحيا وزير الطاقة والمياه ريمون غجر الجدال حول سد بسري وجر مياه الأولي إلى بيروت الكبرى. بعد أن ظن البعض أن انتفاضة 17 تشرين الأول قد قلبت صفحة المشروع، بثّ غجر الدم في شرايينه بعد توقف الأشغال قسراً منذ سبعة أشهر، بعد أن قام الناشطون والمعترضون بطرد المتعهدين من مرج بسري وتحرير مداخله التي أقفلت بوجه الناس. فما الذي استجد؟
في الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء، كان البند الأول على جدول أعمالها “عرض تطور الأشغال في مشروع زيادة تغذية منطقة بيروت الكبرى بالمياه” من قبل الوزارة “مالكة المشروع بعد أن قام المتعهد بسحب عماله و آلياته وأخلى مكاتبه في الموقع بعد تصعيد موجة الإحتجاج”، وفق محضر الجلسة الذي حصلت “الأخبار” على نسخة منه. العرض شمل المراحل الرئيسية للمشروع، منها الدراسات التي أجرتها المصلحة الوطنية لنهر الليطاني بين 1982 و1984 وتكليف الحكومة لمجلس الإنماء والإعمار عام 2009 تحديث الدراسات والمباشرة بالإجراءات. محطات عديدة أوردها العرض للبرهنة على “أحقية المشروع”، منها أن “المجلس أجرى استقصاءات جيوتقنية ودراسات فنية وجيولوجية، وأن الخطة الوطنية الشاملة لترتيب الأراضي اللبنانية أقرّت بوجوب تنفيذ سد بسري لتأمين حاجات المياه لبيروت الكبرى، فضلاً عن أن المجلس أعد دراسة البدائل الممكنة لزيادة التغذية بالمياه لبيروت الكبرى وتوصل إلى أن سد بسري هو الخيار ذو الأولوية، فيما كلفت هيئة خبراء السدود التي أنشأها المجلس بناءً على توجيهات البنك الدولي بمراجعة الدراسات».
ذكر البنك الدولي وتوجيهاته وإرشاداته تكرر في معظم فقرات العرض؛ منها “إرشاداته للمجلس بتقييم الأثر البيئي والاجتماعي وخطة إعادة السكان الناتجة عن استملاك الأراضي للمشروع”. وبحسب رأي وزارة البيئة “لا تعتبر الدراسة منتهية الصلاحية في العام 2016 بعد سنتين من نشرها ويعود للوزارة التأكد من نشوء عناصر بيئية جديدة تستدعي تحديثها في حال الضرورة”. ولفت غجر إلى أن المجلس “شارف على الانتهاء من إعداد دراسة خطة التعويض الإيكولوجي تحت إشراف اختصاصيين بيئيين من البنك الدولي، التي تهدف إلى الحفاظ على توازن الثروة الطبيعية والتنوع البيولوجي والإيكولوجي”. وتطرق إلى آليات قطع الأشجار والتنقيب عن الآثار، مشيراً إلى أن “تصميم السد يتماشى مع المعايير التي وضعت على أساس المسح النيوتكتوني الذي أجري لتحديد الفوالق في محيط المشروع وتقييم مخاطر الزلازل. وأظهرت الدراسات الحديثة عدم وجود فالق متحرك مباشر في الموقع».
بعد المداولة، أقرّ مجلس الوزراء “متابعة السير في تنفيذ المشروع وتفعيل الحوار مع الاختصاصيين والأكاديميين وممثلي المجتمع المدني بهدف مناقشة المسائل والمخاوف البيئية المثارة من قبلهم”، علماً بأن غجر وصف في عرضه أن المناظرة التي جمعت بين ممثلي المشروع والمعترضين عليه في مجلس النواب بناءً على دعوة لجنة الأشغال النيابية (في 4 نيسان 2019) تضمنت “انتقادات غبر علمية وغير موضوعية في أغلب الأحيان من قبل المعترضين، فيما عقدت الوزارة والمجلس عدداً كبيراً من حلقات الحوار وقدما أجوبة شفافة وشروحات”.
أول من أمس، قرأ غجر في مؤتمر صحافي أبرز ما ورد في العرض الحكومي. ولفت إلى أن المشروع “ينفذ بموجب قرضين من البنك الدولي تمّت المصادقة عليهما حسب الاصول من قبل الحكومات السابقة، وأصبحا قوانين قروض صادرة عن المجلس النيابي”. وتبلغ الكلفة الإجمالية للمشروع ٨٧٥ مليون دولار، وفق غجر. “إيقاف بسري بعد أن تمّ تلزيمه وإعطاء أمر المباشرة ودفع الاستملاكات التي تصل الى 156 مليون دولار، سوف يعتبر هدراً للمال العام، خاصةً أنه متأتٍ عن قرض، كما ويرتّب مطالبات كبيرة بالتعويض من قبل المتعهد والاستشاري».
للتوضيح، فإن الحكومات السابقة أبرمت اتفاقيات قروض عديدة مع البنك الدولي والبنك الإسلامي للتنمية لزوم تمويل المشروع. في 7 تشرين الثاني 2012، صدر المرسوم الرقم 9250 بشأن إبرام اتفاقية قرض بقيمة 200 مليون دولار واتفاقيتي تنفيذ لمشروع جر مياه الأولي إلى بيروت الكبرى. وفي 24 تشرين الثاني 2015، أقرّ مجلس الوزراء اتفاقية قرض مع البنك الدولي بقيمة 474 مليون دولار لتنفيذ مشروع “تعزيز إمدادات المياه لبيروت الكبرى” الذي يتألف من بناء والإشراف على بناء سد بسري والبنية التحتية المتصلة ودعم بناء خطوط الأنابيب إلى خزان جون القائم وطريق الوصول المتصل به”. ويضاف إلى قروض البنك الدولي، قرض من البنك الإسلامي للتنمية بقيمة 128 مليون دولار في 2016 لزوم بناء وتجهيز محطة كهرومائية ومد خطوط أنابيب ومد شبكة التصريف الصحي وتوفير الخدمات الاستشارية المتعلقة بالإشراف على البناء. ووفق مصدر مواكب للمشروع، تدرس اللجان المشتركة في مجلس النواب إقرار اتفاقية قرض إضافي من البنك الدولي بقيمة 90 مليون دولار، علماً بأن تكاليف استملاك الأراضي البالغة 156 مليون دولار تكبّدتها الدولة، في حين أن الكلفة التقديرية الشاملة للمشروع (الاستشارات والدراسات وتنفيذ السد وجر المياه وتوابعهما) تبلغ حوالى مليار و200 مليون دولار.
الناشط في”لجنة أهالي قرى وبلدات سد بسري” رجا نجيم، قال لـ”الأخبار” إن “غجر يكتفي بالملفات التي تم تزويده بها ليكمل المشروع بناءً على دراسات أُجريت قبل عام 2010، وانتهت صلاحياتها بسبب التغيير المناخي الذي عرفه لبنان منذ عام 2014 والناتج عن التصحّر والجفاف المبكر والاحتباس الحراري الذي يؤدي إلى تبخر المياه». عن تخوف غجر من هدر المال العام، قال نجيم إن صرف القسم الأكبر من الأموال على الإنشاءات لم يكن مضراً، إنما الهدر حتى الآن بحدود 75 مليون دولار أنفقت على الاستشاريين والمتعهدين الذين قدموا دراسات تبين أنها معلبة أو مغلوطة. ومن الأفضل أن نخسر ٧٥ مليون دولار بدل أن نستدين مباشرة ٧٠٠ مليون دولار إضافية مقابل مشروع سيفشل حكماً ولن يغذّي بيروت بالمياه كما هو مخطط له، إضافة الى الدمار الشامل وهجرة الناس وتكبّد مصاريف أخرى غير مباشرة يستحيل تحديدها اليوم».