IMLebanon

العملة الرقمية تخلق هوساً جماعياً بالربح السهل والسريع

 

مؤسسات لبنانية بدأت بقبولها كوسيلة دفع تُتيح التفلّت من العقوبات وكونتوارات تُسهّل الحصول عليها

 

البيتكوين bitcoin، دوجكوين dogecoin، داجكوين dagcoin، الإيثركوين، داشكوين dashcoin، كاردانو Cardano، و TRX COIN وXRP… أسماء كثيرة لفورة عالمية واحدة تعرف باسم العملات المشفرة أو الرقمية أو المُعمّاة أو cryptocurrencies. هذه العملات التي لا تملك حيثية فيزيائية ويجري تداولها على الإنترنت بواسطة تقنية “سلسلة الكتل” Blockchain، بدأت تشق طريقها سريعاً في لبنان حاصدة المزيد من المستثمرين والمهتمين. فما علاقتها بالأزمة؟ ما هي أخطارها، حسناتها وسيئاتها؟

 

يفيد أحد المستثمرين الشباب بأن الطلب يتركز في لبنان على أربع عملات رقمية، وهي: Binance Chain BNB، وXRP، وكاردانو، ودوجكوين. وذلك بسبب انخفاض سعرها من جهة، وقابليته للإرتفاع في المستقبل من جهة ثانية. فالـ BNB ارتفعت قيمتها من 37 دولاراً في بداية العام إلى 580، وهي قابلة لأن ترتفع أكثر. ما يعني أن من اشترى 100 قطعة من هذه العملة المشفرة بقيمة 3700 دولار، أصبح يملك اليوم 58 ألف دولار. أمّا في ما خص كاردانو وXRP فقيمتهما اليوم تبلغ 1.2 و1.3 دولار على التوالي. وبرأيه فان المشاريع المقامة خلف هاتين العملتين تحديداً ستفسح في المجال أمام صعودهما في المستقبل. حيث أن كاردانو تضطلع على سبيل المثال بتنفيذ “بلوكشاين” للعقود الصغيرة في المؤسسات، وهي تشكل استثماراً على المدى البعيد. وفي ما خص دوجكوين DOGE COIN‏ الشائعة جداً، فان عدم وجود سقف للإصدار يجعل من قيمتها معرضة للانخفاض وذلك على عكس البيتكوين. وما أوصلها إلى سعر 316 دولاراً هو الدعاية التي أطلقها أيلون ماسك مؤسس شركة تسلا. وبحسب الخبير في الأمن الإلكتروني غسان بلطه جي فان “أسعار هذه العملات مرتبطة بشكل وثيق بما يعرف بفقاعة الإنترنت Internet bubble وبالعرض والطلب عليها. ولا يخفى على أحد الطلب الكبير غير المبني في كثير من الأحيان على أسس علمية أو واقعية والذي يؤدي إلى ارتفاع سعرها، وهذا ما يعرف بالمضاربة. فهذه العملات معرضة كالأسهم والسندات وتداولات البورصة إلى المضاربة التي تؤثر على قيمها ارتفاعاً أو انخفاضاً. ويكفي، بحسب بلطه جي، تسويق ارتفاع الطلب على عملة ما حتى ترتفع قيمتها بشكل كبير.

 

عملة للإدخار وليس للمدفوعات

 

عملية الشراء أو الإستثمار تتم في لبنان عبر طريقتين: الأولى، دفع الأموال نقداً بالدولار الأميركي لأحد المتخصصين في التداول مقابل عمولة تتراوح بين 6 و10 في المئة من المبلغ المستثمر. وهو يحوّل الأموال من حسابه إلى حساب المستثمر على منصة العملة الرقمية. والثانية، الطلب من أحد المعارف الموجودين في الخارج تحويل مبلغ مالي إلى حساب العملة الرقمية باسم الشخص المشتري. هاتان الطريقتان فرضهما تعطل النظام المصرفي وعدم القدرة على القيام بعمليات تحويل نقدية من الحسابات المصرفية. الرهان على ارتفاع أسعار العملات الرقمية وتكوين محفظة مالية اكبر هو الهدف من الإستثمار بشراء العملات الرقمية، وليس استخدامها في عمليات الشراء الإلكترونية. أي أنها تستخدم كوسيلة إدخار وليست أداة للمدفوعات. خصوصاً أن قيمتها تتغير باستمرار وبأوقات قصيرة، حسبما يتبين من آراء أكثر من متداول.

 

تزدهر في الأزمات

 

بعيداً من التفاصيل التقنية الكثيرة للإستثمار والتداول بالعملات الرقمية، فان ظهورها والإقبال عليها يرتفع بشكل مضطرد في الإقتصادات المحاصرة أو التي تواجه تحديات إقتصادية صعبة، كلبنان مثلاً. فـ”تفتح هذه العملات خيارات بديلة، بعد انهيار الثقة بالعملة الوطنية”، تقول الباحثة الإقتصادية د. ليال منصور، “هذا الإتجاه العالمي باللجوء إلى العملات الرقمية أخذ مكان الذهب لأسباب تتعلق بسهولة التداول، فعُرف باسم Digital gold. إلا أنه يطرح في المقابل تساؤلات كبيرة عن شرعية المعاملات التجارية. حيث تعتبر عمليات الإستثمار بالعملات الرقمية التي لا يمكن تتبعها وسيلة لتبييض الأموال الناتجة عن التجارة غير الشرعية والمخدرات والتهرب الضريبي، وغيرها الكثير من الأشكال التي لا يمكن تمريرها عبر الأنظمة الخاضعة للرقابة. وما يزيد الشك في اعتماد هذه العملات كوسيلة دفع للهروب من العقوبات هو إعلان أكثر من مؤسسة في ضاحية بيروت عن بدء قبولها تسديد المدفوعات بالعملة الرقمية، وهو الامر الذي يطرح أكثر من علامة استفهام خصوصاً في ظل عدم قبول الدفع بالشيكات وبطاقات الإعتماد وتعرض العملات الرقمية لتغير قيمتها باستمرار”. ومما زاد من الإقبال على هذه العملات، بحسب منصور، في لبنان والعالم هو “التراجع الإقتصادي في مختلف الدول بسبب جائحة كورونا، والتضخم، وتراجع قيم العملات وزيادة تدخل الدول بالإقتصاد. فلجأ قسم كبير من الأفراد والمؤسسات إلى العملة الرقمية كبديل أكثر أماناً، فارتفعت أسعارها، وبارتفاع اسعارها زاد الإقبال عليها، فدخلت في مرحلة متصاعدة من النمو”. لكن هذا لا يعني، بحسب منصور، عدم إمكانية تعرض هذه العملات للإنهيار ذلك لانها ليست مغطاة من أحد.

 

الرهان على تقليد البيتكوين ليس في مكانه

 

الكثير من الأفراد يراهنون أن يحذو مصير بقية العملات الرقمية حذو البيتكوين. فـ”هذه العملة التي تطلّب وصولها إلى 20 ألف دولار 11 عاماً، ارتفعت في غضون 22 يوماً فقط بالقيمة نفسها”، تقول منصور، “ففي الوقت الذي كان فيه عام 2020 نقمة على سوق الأسهم العالمية، كان بالتأكيد نعمة لعملة البيتكوين. فقفز سعرها بنسبة 260 في المئة خلال العام 2020 و 400 في المئة لغاية 9 كانون الثاني من العام 2021. ومما زاد من ارتفاع سعرها هو دخول شركات عملاقة على خط شراء العملة. حيث أعلنت شركة التكنولوجيا المالية المدرجة في نيويورك Square Inc، ومزود المعلومات التجارية المدرجة في بورصة ناسداك MicroStrategy، عن استثمار 425 مليوناً و 50 مليون دولار على التوالي في عملة البيتكوين. ومن هنا فانه “كلما زاد انخراط الأسماء الكبيرة، زاد تنظيم العملة المشفرة، وكلما أصبحت أصلاً محدداً. ونتيجة لذلك، زاد اهتمام الشركات العامة بالإستثمار في مثل هذه الأصول المجدية”، برأي منصور. ولكن عندما أعادت “باي بال” بلوكتشين للدفع وتبعها مايسي ويليامز وميك ميل، زاد الاهتمام العالمي بالبحث عن البيتكوين أكثر من ثلاثة أضعاف، من أوائل آب من العام 2020 إلى مطلع كانون الثاني من العام الحالي، واندفع المستثمرون للإستثمار في العملات المشفرة. هذا بالإضافة إلى ان البيتكوين محددة بـ21 مليون قطعة، على عكس بقية العملات المفتوحة. وهذا ما يدفع إلى الإعتقاد أن أسباب ارتفاع البيتكوين، التي اعتبرت أداة تحوط ضد مخاطر التضخم وضعف الإقتصاد الاميركي، قد لا تطبق على بقية العملات.

 

تنظيم القطاع سيؤدي إلى تراجع الأسعار

 

“الأمر الواقع الذي فرضته العملات الرقمية دفع بصندوق النقد الدولي والمنظمات المالية الدولية للبحث عن طريقة لتنظيمها وتأطيرها، ضمن الشرعية النقدية في الدول التي تتواجد فيها”، بحسب منصور، “وهذا ما قد يؤدي إلى انخفاض سعرها في المستقبل كونها ستصبح مراقبة وخاضعة للضرائب والقوانين”. وبذلك “تفقد أحد أهم ميزاتها بكونها وسيلة دفع غير مراقبة ولا يمكن تتبعها”، من وجهة نظر بلطه جي.

 

الرواج المستجد للطلب على العملات الرقمية، لا يمكن فصله عن “العقلية اللبنانية” التي تغلّب الربح السهل والسريع على الإستثمار الأبطأ في الإقتصاد الحقيقي المنتج. وكما وظف الملايين من المودعين مليارات الدولارت طمعاً بفوائد البنوك، ها هي التجربة تعاد اليوم مع العملات الرقمية.