اذا كانت بعض الاطراف على الساحة السياسية تعتبر ان «المارونية السياسية» هي اصل الداء يوم حكمت لبنان منذ الاستقلال وصولاً الى سبعينات القرن الماضي فان المجريات الراهنة على الرقعة الداخلية اثبتت ان «المارونية السياسية» كانت انجح بكثير من ولوج لبنان «الجمهورية الثانية» حيث وصل الاهتراء بالمؤسسات الى حدود التحلل ناهيك بالعواصف المذهبية والطائفية. وان لقب «سويسرا الشرق» الذي عرف به لبنان كان نتيجة لاداء «المارونية السياسية» التي انتجت وحدة وطنية مذهلة واجهزت على النفس الطائفي والمذهبي بانقسام البلد بين كتلتين هما: الكتلة الدستورية والكتلة الوطنية حيث تموضع معظم الافرقاء تحت سقفهما بعيدا عن التعصب القاتل الذي يعتبر سرطان البلد وما يحيط به وفق اوساط «التيار الوطني الحر».
الا ان حروب الآخرين على ارض لبنان حيث استقوى بعضهم «بالثورة الفلسطينية» معتبرينها جيشهم من زاوية طائفية، قوّض اعمدة الوحدة الوطنية، واذا كان المسيحيون قد استبسلوا في الدفاع عن وجودهم وما يعنيه على الصعيد الوطني كونهم صنعوا «لبنان الكبير»، فان عبورهم الى «الطائف» شكل انتكاسة كبيرة لهم بعدما جرم الاتفاق المذكور كافة مواقعهم ايام «المارونية السياسية»، على حدّ قول الاوساط التي اشارت الى ان صلاحيات الوزير في وزارته اهم بكثير من صلاحيات رئاسة الجمهورية وصرعة «حضر فترأس».
وتضيف الاوساط نفسها انه منذ المقاطعة المسيحية للانتخابات واقلاع «الطائف» بمن حضر همّش المسيحيون والغي دورهم تقريباً ورحلت قياداتهم الى المنفى او الى السجن ليعود دورهم الى البروز مع عودة الجنرال ميشال عون من باريس وخروج الدكتور سمير جعجع من السجن ليعيدا ترتيب البيت المسيحي ويتقاسمان رقعته بشكل ندي اى ان الماضي الثقيل بين الطرفين انتج مقولة المسيحي السني والمسيحي الشيعي بناء على تحالفهما الموزع بين 8 آذار و14 آذار الا ان ورقة «اعلان النوايا» مسحت اللوح الاسود وفاجأت معظم اللاعبين بانها وثيقة بدأ تطبيقها عمليا في وقت كان البعض يراهن على سقوطها امام اية هبة ريح سياسية.
وتشير الاوساط الى ان «التيار» و«القوات» اللذان سيقاطعان او يحضران الجلسة النيابية التي دعا اليها الرئيس نبيه بري لتشريع الضرورة بهدف اقرار استحقاقات مالية تتعلق بالقروض الدولية يربطان حضورهما باقرار بندي استعادة الجنسية للمغتربين وقانون انتخابي جديد، واذا كان بري قد ادرج قانون استعادة الجنسية على جدول جلسة «تشريع الضرورة» فان ذلك لا يعني اقراره بل لا يتعدى عملية استدراج لهما على قاعدة سررنا بكم بكلام وسررتمونا بكلام اضافة الى دخول «تيار المستقبل» لتعديل القانون باضافة منح الجنسية لاولاد الام اللبنانية المتزوجة من غير لبناني وهذا ما يؤدي الى تغيير ديمغرافي وسط المخاوف من توطين النازحين السوريين واللاجئين الفلسطينيين.
وتقول الاوساط انه اذا كان البعض يرى ان موقف «التيار» و«القوات» والكتائب التي ترى ان المجلس النيابي هيئة ناخبة ولا يحق لها ان تشرع يعرض الوحدة الوطنية للاهتزاز الميثاقي، فانه لم يبق للمسيحيين شيئا يخسرونه، وان موقف بكركي يتقاطع مع موقف الكتلتين المسيحيتين الكبيرتين حيث اعرب البطريرك مار بشاره بطرس الراعي عن ارتياحه لوحدة المسيحيين معتبرا ان الاخلال والتفريط بورقة «اعلان النوايا» وفق مرجع كنسي مطلع اشبه ما يكون «بالخطيئة الممتية» ولا شك ان لعبة عض الاصابع بين بري وعون وجعجع بلغت ذروتها لا سيما وان الود مفقود بين رئيس مجلس النواب والجنرال الذي لا يزال في مربع «من يتركني اتركه» حيث يبدوان فريقي 8 و14 آذار على طريق الاندثار لقيام خلطة سياسية مختلفة بسبب الخلاف بين مكونات الفريق الواحد لكلا الطرفين. واذا كان البعض قد حاول حصار عون فان ورقة «اعلان النوايا» فتحت له الكثير من الابواب على خلفية ان الخطر الحقيقي يكمن في خلاف اهل البيت الواحد وليس في الخلاف مع الاخرين.