IMLebanon

عضُّ أصابع وصولاً للأيام الخمسة الأخيرة

كما كان متوقعاً ارتفعت درجات الحماوة السياسية وتصاعدت الاشتباكات، واستقدمت أوراق الضغط من خارج ملف الانتخابات، والأهمّ أنّ هذه الحماوة مرشّحة لمزيد من الارتفاع ولضغوط أكبر ومواجهات أعنف قبل الوصول الى الأيام الأخيرة للولاية النيابية الممدّدة. بمعنى آخر، إنّ الاسابيع المعدودة الفاصلة عن الأيام الخمسة الأخيرة من عمر المجلس النيابي ستشهد مزيداً من عضّ الأصابع لكل فريق لدفع الآخر الى السقوط تحت وطأة الوضع، وبالتالي تراجعه عن موقفه.

اللعبة ستشتدّ إذاً، لكنّها لن تؤدّي بالضرورة الى سماع صراخ «الآخ» من أحد، كون الجميع يدرك أنّ الحلّ سيحصل بدءاً من 15 حزيران لأنّ سقوط المؤسسات وانهيارها انطلاقاً من فراغ المجلس النيابي ممنوع داخلياً واقليمياً ودولياً، وهذا خط أحمر.

خلال الأيام الماضية، وصل الى مسامع السفارات الغربية المعتمدة في لبنان ولا سيما منها الأميركية والفرنسية والبريطانية إضافة الى الروسية، أنّ «حزب الله» الذي يعارض أيّ خطوات مجنونة تدفع بالبلاد الى الهاوية، وضَع خطة طوارئ بالتفاهم مع الرئيس نبيه برّي تُحاكي احتمال انفلات الأمور والذهاب الى الفراغ.

ولمست هذه الأوساط الديبلوماسية أنّ الفريق الشيعي جدّي في خياره بأنّ زوال مجلس النواب سيتبعه بعد دقائق زوال مجلس الوزراء والاندفاع بعدها في مسار آخر لن يوقفه سوى مؤتمر دولي كبير ترعاه دولة كبرى هدفه إعادة صياغة جديدة للدستور ولتوزيع الصلاحيات، وهو ما لا يبدو متوافراً في المدى المنظور بسبب الواقع الاقليمي المحتقن.

وتردّد أنّ هذه الاوساط الديبلوماسية وزّعت نصائحها التي كانت اقرب الى التحذير، بعدم الذهاب بعيداً في حرب عض الأصابع القائمة الآن. وهي تدرك أنّ حماوة المواقف والمناورات الحاصلة والتصعيد والتهويل، كلّ ذلك له علاقة باقتراب نهاية المهلة المسموحة. اضف الى ذلك أنّ الموسم هو موسم انتخابات ستحصل بعد أشهر ما يضع في الحسابات عامل استنفار الشارع وتعبئته وتشويه صورة الخصوم، خصوصاً في الشارعين المسيحي والسنّي.

وفي انتظار منتصف حزيران أو الأيام الخمسة الاخيرة من عمر المجلس النيابي، ستستمر الحملات والمناورات والتمسّك بالمواقف وتجميع الأوراق، ربما لذلك لن يسلّم الوزير جبران باسيل بمبدأ سقوط خيار مشروع التأهيلي. سيستمر في الاندفاع لتعزيز موقعه التفاوضي طالما أنّ الوقت لا يزال يسمح بذلك، وكذلك حال كل فريق من الأفرقاء الآخرين.

لكن في الوقت نفسه، وفي كواليس التفاوض الجدّي، ثمّة كلام قائم حول تسوية مقبولة ستشكل المخرج للجميع، والتي تقوم على اساس إجراء الانتخابات وفق الاقتراع النسبي الكامل، لكنّ النقاش يتمحور حول عدد الدوائر وإن كانت الدوائر الـ15 هي الاكثر رجحاناً مع اعتماد الصوت التفضيلي في القضاء، إضافة الى نقاش حول مجلس الشيوخ والعناوين العريضة لدوره وصلاحياته والاتفاق عليها على أن يتولّى المجلس النيابي المقبل حسم تفاصيله كاملة وإقراره ووضعه على سكة التنفيذ. والمشكلة أنّ حدة المواقف القائمة والاعتبار أنّ الحملات الانتخابية قد بدأت فعلياً، كل ذلك يجعل كلّ فريق يريد انتصاراً يسمح له باستثماره في حملاته الانتخابية.

ووفق ما تقدّم يبدو أنّ خيار اللجوء إلى اعتماد القانون الحالي، أي ما يُعرف بـ»الستين» وضع جانباً بسبب الآلية الدستورية الصعبة والمحفوفة بالمخاطر وخصوصاً احتراق ورقة جلسة 15 أيار ورسم كثير من الشكوك حول إمكان اعتماد المادة 25 من الدستور مخرجاً مقبولاً.

منذ بضعة أسابيع، حصلت مناقشات بقيت في الاطار السرّي بين القوى السياسية لاعتماد قانون الستين مجدداً، ولكن بعد إجراء تعديلات اساسية عليه تطاول تسعة مقاعد نيابية منها نقل مقعد طرابلس الماروني الى البترون، ومقعد بعلبك الماروني الى بشري، وإلحاق مقعد سنّي في منطقة قاعدتها الانتخابية الغالبة مسيحية، ونقل مقعد مسيحي اضافي الى الدائرة الاولى في بيروت، وإجراء تعديلات محدودة لبعض الدوائر، لكن سرعان ما وُضع هذا الاقتراح جانباً أولاً بسبب معارضة «حزب الله» وحركة «أمل» أيّ تعديلات لأنها ستفتح الابواب لمطالب لن تنتهي، وثانياً لأنَّ المسار العام أضحى في اتجاهٍ مختلِف وبالتالي وجود امكانية جدية للذهاب في اتجاه قانون جديد بكلّ ما للكلمة من معنى، خصوصاً أنه سيجرى العمل به لعقود عدة مستقبلاً.

كل ذلك يدفع إلى الاستنتاج بأنّ القانون الجديد حتميّ، وأنه سيرتكز على الاقتراع النسبي الكامل، ولكن مع تدوير الزوايا حول التباينات الحاصلة حوله وهو ما يؤدّي الى ارتفاع حدة الاشتباكات وتوسيع دوائر المناورات.

وبعيداً من الجوانب التقنية لملف الكهرباء، من السذاجة فصل هذا الملف عن الصراع السياسي الحاصل. ففي المرة الأولى التي طرح فيها حزب «القوات اللبنانية» هذا الملف، كانت المرحلة مرحلة التعيينات وسعي «القوات» لتوسيع حصتها بعدما اعتبرت أنّ ما حصلت عليه متواضع جداً. والآن يعود هذا الملف الى الواجهة ولكن بقوّة أكبر مع احتدام النزاع حول قانون الانتخابات.

وفيما كان من المنطقي الاعتقاد بوجود لوائح موحّدة بين «القوات» و«التيار الوطني الحر» وسط نزاع حتمي على الحصص فيما لو جرى اعتماد الاقتراع الأكثري، فإنّ الذهاب نحو الاقتراع النسبي سيؤدّي حكماً الى لوائح منفصلة بين الحزبين، ما يعني أنّ وضع ملف الكهرباء على الطاولة الآن سيُعزّز شعبية فريق على آخر، خصوصاً أنّ مواقف كثيرة من هذا الملف لا تبدو واضحة بالنسبة إلى الناس والقواعد الشعبية، أضف الى ذلك غياب التسويق الإعلامي لـ»التيار الوطني الحر»، وغياب مواقف مدافعة لنواب «التيار» ومسؤوليه الذين يحسبون انتخابياً وليس سياسياً.

وقد يكون حزب «القوات» أراد تسجيل أهداف اكثر من خلال هذا الملف ليطاول المرمى المشترك لـ»التيار الوطني الحر» وتيار «المستقبل»، وهو ما يُنبئ بتحالف انتخابي في بعض المناطق على حساب لوائح «القوات»، إضافة الى معلومات تتردّد حول استعداد حزب الكتائب ومنظمات المجتمع المدني لشنّ حملة عنيفة على ملف الكهرباء، ما يُهدّد بسحب البساط الشعبي من تحت اقدام الجميع، كما حصل مع مسألة الضرائب منذ أسابيع.

وهذا ما حتّم الإسراع في تبنّي حملة الاعتراض على خطة الكهرباء، ولو أنّها لن تؤدي الى خطوات تصل الى الاستقالة من الحكومة او تفجير سياسي للتحالف الذي اعلن عنه، وكذلك سيبقى الاعتراض محصوراً في ملف الكهرباء فقط ومن دون خطوات عملية، ولو أنه سيتكرّر مشهد إثارته إعلامياً خلال الاسابيع المقبلة التي ستكون حافلة بالتصعيد من كل جانب.