جرت محاولات ومساعٍ الشهر الماضي، ولو كانت خجولة، من أجل فصل مسار الازمة الرئاسية ـ السياسية اللبنانية عن مسارات الازمات الاقليمية، لكن توحي المؤشرات والمواقف ان محاولة الفصل اصطدمت بعوائق وحسابات اكبر من لبنان، ما جعله يبقى في مرتبة متدنية من الاهتمامات العالمية والاقليمية، برغم «النوايا الحسنة» التي تجلت في ما تم تسريبه عن غطاء اقليمي ما لاقتراح الرئيس سعد الحريري بترشيح النائب سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية.
انتظر الكثيرون ان يقول «حزب الله» كلمته في الاقتراح، بينما كان المنطقي ان يقول الرئيس الحريري مواقفه التفصيلية حول اقتراحه الغامض، ومع ذلك قال الحزب كلمته من بكركي وتمسك بترشيح العماد ميشال عون، ولعل الحريري كان ينتظر ويتوقع مثل هذا الموقف ليبني عليه اسبابه الموجبة لفشل او تجميد اقتراحه، والبحث عن بدائل اخرى مقبولة من الجميع، بعدما ظهر من الجو الاقليمي والدولي الساخن ان زمن التسويات الكبرى دونه عقبات ودونه خرائط جديدة ترسم ومصالح دولية كبرى مرتكزة على تقاسم نفوذ جديد، قد يلغي خريطة سايكس ـ بيكو المشؤومة ويرسم خريطة اسوأ منها ربما.
فلا التسوية في سوريا التي يعمل لها الكثيرون ستبصر النور قريبا، ولا حرب اليمن على وشك الانتهاء قريبا، ولا ازمة العراق على ابواب تطهير ارض الرافدين قريبا من «الدواعش»، ولا حتى مصر سترتاح من مشكلة تقاسم مياه النيل ومعالجة ازمتها مع اثيوبيا التي تبني «سد النهضة»، ولا يبدو انها سترتاح من معركتها ضد الارهاب في شمال سيناء قريبا، بينما ليبيا متروكة لقدرها برغم محاولات السعي لايجاد حلول لحربها الداخلية، بينما تونس وجوارها لا زالا يعانيان خطر الارهاب ومشاريعه التدميرية.
في هذه الصورة السوداء، لا يبدو ان لبنان يشكل نقطة ضوء ولو صغيرة، ولا يبدو ان اللاعبين الاساسيين فيه مستعجلون على تقديم التنازلات لبعضهم للخروج من مأزقهم ومن المأزق الذي اوقعوا البلد فيه، ويبدو ان «حزب الله» هو اكثر من يعرف طبيعة الصورة الاقليمية القاتمة، ليس لأنه فقط مشترك في مواجهة ما يرسم من خطط له ولسوريا وايران، بل لانه لا يستطيع اليوم تقديم أي تنازل لخصومه، كما ان خصومه هم في الوارد نفسه، بدليل مواقف الرئيس فؤاد السنيورة الاخيرة، سواء التي قالها علنا في ذكرى استشهاد الوزير الاسبق محمد شطح، او التي سربت امس على لسانه، والتي واصل فيها حملته الشرسة على «حزب الله»، ولعله ايضا من العارفين القلائل بضبابية الوضع الاقليمي فيشارك منظمي الحملة على «حزب الله» الداخليين منهم والخارجيين حملتهم على الحزب.
واذا كان «حزب الله» مطالب بتسهيل التسوية اللبنانية، فإن المشكلة ليست عنده، بل هي بالشكل عند الموارنة اولا الذين لم يتفقوا على شخصية واحدة مقبولة لترشيحها للرئاسة، وهي بالمضمون عند الذين يريدون من الحزب تقديم التنازلات بينما هم لا يقدمون أي تنازل جوهري، بل يرجمونه كل يوم بتهم الارهاب ويفرضون عليه العقوبات ويحرضون عليه جمهورهم والخارج، فيما هو يتعرض ايضا لحرب تصفيات ارهابية لكوادره وقادته من قبل العدو الصهيوني، فكيف يقبل تقديم أي تنازل؟
ويرى حلفاء الحزب ان ما هو مطلوب من «حزب الله» مطلوب من غيره اولا، خاصة من صاحب اقتراح التسوية الرئاسية سعد الحريري، وان تخييرالحزب بين الاستغناء عن حليف استراتيجي صادق هو ميشال عون، أو خوض معركة مع حليف استراتيجي صادق آخر هو سليمان فرنجية، بمثابة دعوة الى الانتحار السياسي والى فك هذا التحالف الاستراتيجي، لا يمكن للحزب ان يلبيها مهما كانت النتائج، خاصة انه في المعركة الكبرى في الاقليم يحقق مع حلفائه نجاحات عسكرية وسياسية ستفرض على الخصوم اعادة الحساب، وتوجب عليه الصبر لحصد النتائج الايجابية لاحقا.