لم يبقَ الوضع الداخلي يراوح مكانه بانتظار أن يأتي الحل من الخارج الذي كان منشغلاً بالملف النووي الإيراني والطموحات التوسعية للقيادة الإيرانية في المنطقة، لكنه أصبح الآن في حالة تراجع على كل المستويات، فلا تقدّم على طاولة الحوار على صعيد الانتخابات الرئاسية، بل مزيد من الخلافات والطروحات المتضاربة، وتهديدات مبطنة ومعلنة أحياناً بنسفها اذا لم تستجب لشرط انتخاب مرشّح حزب الله للرئاسة الأولى، ولا تقدّم على صعيد إعادة تفعيل عمل الحكومة المشلولة بسبب سلوك وزراء حزب الله والتيار الوطني الحر الذين يربطون هذا الأمر بترفيع العميد شامل روكز إلى رتبة لواء ولو أدى ذلك إلى ضرب معنويات المؤسسة العسكرية الوحيدة المتبقية حتى الآن بعيدة إلى حدّ ما عن تدخلات السياسيين في شؤونها الداخلية مثل باقي المؤسسات الرسمية التي حولوها بسبب تدخلهم فيها إلى مزارع «فلتانة» يرتعون فيها كما يشاؤون وبما يلبي مصالحهم الذاتية بمعزل عن المصلحة العامة التي لا تعنيهم لا من قريب ولا من بعيد والذي حصل في الاجتماع الذي عقد في مكتب رئيس مجلس النواب نبيه برّي بعد جلسة الحوار الثالثة، والذي أراد منه رئيس المجلس اختصار الدولة بكل مؤسسات بستة قيادات يُشكّل أكبر دليل على ما يتداوله اللبنانيون في كل مكان بأن البلد برمته أصبح محكوماً بهؤلاء الستة بدلاً من أن يكون محكوماً بالمؤسسات الرسمية ووقف آلياتها التي ينص عنها الدستور والنظام الذي هو وحده من يرسم ويحكم العلاقة بين الدولة ومواطنيها، ومن حسن الحظ أن هناك في لبنان قيادات ترفض اختصار الدولة بقيادات محددة فانتفضت على ما حصل في مكتب الرئيس برّي ما عطل التسوية التي كادت أن تبرم في ذلك الاجتماع استرضاء لأحد أقطاب تلك الطغمة واستعادته إلى بيت الطاعة.
وهذا الإنحدار الذي وصل إليه الحكم بسبب سيطرة هذه الطغمة إنسحب على كل شيء وعطل الدولة برمتها حتى وصل الأمر إلى إغراق اللبنانيين بالزبالة لأن هذه الطغمة ما زالت مختلفة على كيفية توظيف هذه الأزمة في تحقيق مزيد من المكاسب المالية وغير المالية،وليس صحيحاً ما يقال عن تقدّم أحرزه الوزير أكرم شهيب المكلف من مجلس الوزراء بابتداع الحلول لأزمة النفايات التي حرَّكت الشارع اللبناني، فالذي يُحكى في وسائل الإعلام غير ما يُحكى بعيداً عن الإعلام، والأكيد أن الوزير شهيب يواجه عُقداً جديدة، كلما تجاوز العُقد السابقة، وكأن هناك من يتقصد أن تبقى هذه الأزمة العينية والصحية تفتك باللبنانيين إلى أن يستسلموا للواقع الذي تريده هذه الطغمة، التي تتربع على الحكم وتستولي على كل مقدرات الدولة، وتمنع عن اللبنانيين حتى لقمة العيش.