يواصل البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي مواقفه التحذيرية التصاعدية، متمسكاً بعلاج جذري للقضايا العالقة، لا الترقيع كما كان يحصل سابقاً.
تستمر خطوط التواصل مفتوحة بين بكركي والإليزيه في محاولة لإنقاذ ما تبقى من مؤسسات في هذا البلد والتخفيف من معاناة المواطنين، وهذا التواصل يقوم على أساس رعاية المصلحة الوطنية والعمل على تأليف حكومة إصلاحية لا حكومة محاصصة، تعيد تعويم الأحزاب على حساب وجع المواطن ومالية الدولة.
وإذا كان الراعي لا يقوم بحراك علني، إلا أنه يتواصل مع القادة اللبنانيين وعلى رأسهم رئيس الجمهورية ميشال عون، الذي يحافظ على علاقة جيدة معه رغم “الطلعات والنزلات”، لكن البطريرك لا يوفّر أي فريق من إنتقاداته، وهو بصدد توسيع حراكه في المرحلة المقبلة وذلك من أجل مساعدة الفرنسيين على إنعاش المبادرة الإنقاذية وعدم الغرق أكثر في الهاوية.
تستبشر بكركي خيراً من الأجواء التفاؤلية التي تبث والتي تعد بولادة حكومية قريبة، لكنها في المقابل تبقي الحذر قائماً لأن التجارب مُرّة مع السياسيين الذين تتهمهم بأنهم يبدّون مصالحهم الخاصة على مصلحة الشعب والوطن.
وتراهن بكركي على تفاهم قريب بين عون والحريري يضع أسساً جيدة لحكومة جديدة تكون من أصحاب الإختصاص والكفاءة، وإلّا فانها ستكون معارضة لأي حكومة تعيد “قسمة الجبنة” ولا تكون على قدر المسؤولية.
وتضع بكركي في سلّم أولوياتها معالجة هموم الناس المعيشية، لذلك فانها تعتبر أن حكومة بمواصفات إختصاصيين ستكون مدخلاً مهماً للإصلاح، وأي خروج عن هذا المسار يعني مزيداً من التدهور والعزلة الدولية وعدم تدفق المساعدات.
وفي السياق، وإيماناً من الراعي بضرورة تأليف حكومة جديدة، لم ترفع بكركي سيف الميثاقية بوجه الحريري، بل إنها تعمل ما بوسعها لتسهيل مهمته، وما إشارة الراعي إلى ضرورة إلتزام الدستور في التأليف والمداورة الشاملة إلا تعبير عن الخوف من الذهاب إلى منطق المثالثة وفرضه، ويترافق ذلك مع محاولة إستبعاد رئيس الجمهورية عن عملية التأليف ونزع أهم صلاحية له وهي المشاركة في تأليف الحكومات، لذلك كانت نصيحة الراعي للحريري بأن يسير وفق مبادئ والده الرئيس الشهيد رفيق الحريري ولا يستضعف المسيحيين ويهمشهم، ويكون شريكاً لـ”حزب الله” في الوصول إلى المثالثة من حيث لا يدري.
وتأتي مواقف الراعي الأخيرة ليس في سياق الدفاع عن حقوق الموارنة والمسيحيين في النظام السياسي، بل من بوابة صون الدستور الذي يتحدّث عن المناصفة وليس المثالثة، ولا يذكر تكريس وزارة المال للشيعة، ومن بوابة تأمين الإستقرار في البلاد، لأن أي فريق يشعر أنه مهمش سينتفض على الواقع، وبذلك سنكون امام خضات سياسية، وعودة إلى زمن الإحتلال السوري الذي استبعد المكون المسيحي.
ويشعر الراعي بخوف شديد على الكيان وليس على المسيحيين فقط، إذ إنه لا ينفع أي مكون أن يكون بخير فيما البلد ينهار، فتعافي الوطن يسمح للجميع بأن يكونوا في أفضل حال، وإلا فالأزمة لن ترحم أحداً، لذلك لا يزال يتمسك بمبدأ الحياد الناشط ويعتبره خشبة خلاص لكل المشاكل.
وعلى الرغم من توضيح مواقفه، إلا أن العلاقة بين “حزب الله” والراعي لا تزال مقطوعة ولم يحدث أي خرق يسهم في تبريد الأجواء، وسط تأكيد بكركي على التمسك بمبادئها ودعوتها كل الأفرقاء إلى الحوار للوصول إلى تحييد البلاد.