لا شيء يوحي بقرب الإنفراج في لبنان، لا على الصعيد السياسي في ظلّ استمرار الشروط والشروط المضادة بين المكوّنات السياسية ما يُعرقل تشكيل الحكومة، ولا على الصعيد الصحّي في ظلّ تفاقم عدد المصابين بوباء «كورونا» بسبب الإختلاط الذي حصل خلال فترة الأعياد، ولا على الصعيد الإقتصادي والنقدي في ظلّ حديث الخبراء الإقتصاديين عن انحدار أكبر لليرة اللبنانية مقابل الدولار خلال الأشهر المقبلة. غير أنّ الرسالة التي وجّهها قداسة البابا فرنسيس للبنانيين ولا سيما للمسيحيين عشية عيد الميلاد، أعطتهم الأمل والرجاء بغدٍ أفضل. فهل من ركائز وأسس فعلية لهذا التفاؤل؟
مصادر كنسية مطّلعة أكّدت مع مطلع هذا العام الجديد، أنّه ليس أمام اللبنانيين رغم كلّ المحن التي يُعانون منها سوى التفاؤل بأنّ لكلّ شيء نهاية، ولا بدّ للأزمات من أن تتلاشى الواحدة بعد الأخرى، وذلك من خلال سعي المسؤولين السياسيين في البلاد على حلّها بمساعدة بعض الدول الصديقة التي تُقدّم للبنان يدّ العون. وأكّدت أنّ الكرسي الرسولي لم ولن يترك لبنان يُواجه المصير المجهول والأسود، ولهذا يُشجّع الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي على كل الخطوات التي قام وسيقوم بها في العام الجديد من أجل تسهيل وتسريع تشكيل حكومة الإنقاذ.
وتقول المصادر انّ مخطط تهجير المسيحيين من منطقة الشرق الأوسط، ومن لبنان تحديداً، الذي بدأ في السبعينات ويستمرّ حتى اليوم بمحاولات وأشكال عدّة لم ينجح، وسيتمّ إفشاله أيضاً هذه المرّة. فلا أحد ينسى البواخر الأميركية التي رست في المرفأ لنقل اللبنانيين الى الخارج، ومن بعد هذه الخطوة الفاشلة، اقتراح الشرق الأوسط الجديد، والذي تحوّل الى الشرق الأوسط الكبير، ومن ثمّ «الربيع العربي» الذي هجّر المسيحيين من الدول العربية التي لفحها، وصولاً الى تفجير مرفأ بيروت، بهدف ازدهار مرفأ حيفا وتحويل جميع البواخر اليه.. كلّ هذه المحاولات فشلت، وستفشل اليوم خطوة العقوبات الأميركية التي تُفرض على لبنان والتي أدّت الى انهيار النظام المصرفي بعد أن كان نموذجاً يُحتذى به طوال العقود الماضية سيما وأنّه صَمَد أمام الأزمة الإقتصادية الأخيرة التي ضربت العالم (2007-2008) رغم أنّها طالت دول المنطقة.
أمّا كلمة الكرسي الرسولي للبنانيين عشية عيد الميلاد، فتأتي لتشجيع جميع اللبنانيين، بدون تمييز بين الطوائف أو على أساس الإنتماء الديني، على «ألاّ يفقدوا الرجاء»، على ما قال البابا فرنسيس الذي عبّر عن ألمه عند رؤية الوجع والقلق الذي يخنق روح الإقدام والحيوية التي فطرت عليها بلاد الأرز. وما يؤلم أكثر هو اختطاف كلّ الآمال الغالية بالعيش بسلام، وبالبقاء للتاريخ وللعالم رسالة حرية وشهادة للعيش الجيّد معاً (…) وانتزاع من الشباب كلّ رجاء بمستقبل أفضل.
وإذ أكّد البابا على أنّ «العناية الإلهية لن تترك لبنان أبداً، وتعرف كيف تُحوّل هذا الحزن أيضاً الى خير»، لفتت المصادر نفسها الى أنّ لبنان «بلد الرسالة» أي العيش المشترك، كما أسماه البابا القدّيس يوحنّا بولس الثاني، ليس مجرّد بلد مارق ولن يكون. فلبنان بلد مقدّس مرّ بأرضه يسوع المسيح، وذُكر اسمه أكثر من 70 مرّة في الكتاب المقدّس، وكذلك أرزه الذي لا تقهره لا العواصف ولا المحن، ليس ليتركه أو ليتمّ تقاسمه. وما دعوة البابا الى أن يصير الشعب اللبناني مجدّداً شعباً متضامناً، يتمكّن من الإستفادة من تقلّبات الظروف الحالية لإعادة اكتشاف هويته، هوية الذين يحملون الى العالم بأسره شذا الإحترام والعيش معاً والتعدّدية، سوى للحفاظ على هذا البلد النموذجي في المنطقة للعيش المشترك والتعدّدية، لا التفريط به من خلال مخطّطات التجزئة والتقسيم التي تلوح في الأفق في كلّ فرصة.
وشدّدت المصادر على أنّ الشباب اللبناني قد يذهب ليتعلّم في بعض جامعات الخارج، واليوم يتمّ إقفال هذا الباب في وجهه من خلال ارتفاع سعر صرف الدولار نسبة الى الليرة اللبنانية، لكنّه لا يترك أرضه وميراثه للغرباء، ولا يتنازل بالتالي عن حلمه بمستقبل بلدٍ جميل ومزدهر. وهذا التمسّك بالأرض هو الذي يُحفّز الفاتيكان وفرنسا وكلّ الدول الصديقة على مدّ يد العون للبنانيين للتجذّر في أرضهم وعدم تركها رغم كلّ المحن. ولهذا طالب البابا فرنسيس، وكذلك الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من القادة اللبنانيين تحمّل مسؤولياتهم والسعي وراء المصلحة العامّة وليس وراء مصالحهم الشخصيّة لإنقاذ هذا البلد.
كما توجّه الكرسي الرسولي الى المجتمع الدولي لمساعدة لبنان، ولإبقائه خارج الصراعات والتوتّرات الإقليمية، بما يعني تحييده عن كلّ ما قد يؤدّي الى توتّرات داخلية ترتبط بالدين والطائفة والإنتماء كونه البلد النموذجي للتعايش في المنطقة. كذلك على مساعدته للخروج من الأزمة الإقتصادية الحادّة التي يُعاني منها، والتي أدخلته فيها بعض الدول مع الأسف، ومساعدته على التعافي والعودة الى النمو والإزدهار، كما كان عليه في وقت سابق.
وبرأي المصادر نفسها إنّ الظلام مهما طال لا بدّ وأن يليه النور، ولكنّ هذا الأمر لا يتحقّق من دون إرادة الشعب والمسؤولين عنه الذين يمثّلونه في مواقع القرار. من هنا، ضرورة التوافق والتضامن من أجل تشكيل حكومة إنقاذية تكون قادرة على إخراج البلد من كلّ الأزمات، وتسير به على السكّة الصحيحة للنهوض مجدّداً. وذكرت المصادر بأنّ لبنان لن يكون متروكاً أمام من يريد افتراسه أو تقسيمه، ما دام الفاتيكان يُدافع عنه، ويحثّ المجتمع الدولي على مدّ يد العون له.