هل انتقلت تصفية الحسابات الحكومية الى الشارع بعدما صدت ابواب الوساطات ومُنِي المحاولون بالخيبات؟ شهدت الساعات الماضية انتقالاً من حرب البيانات الاعلامية الى حرب الشوارع ولكن ما ان انفجر الشارع حتى تطايرت الرسائل بين بعبدا وبيت الوسط. إتهم قصر بعبدا الرئيس المكلف سعد الحريري بالوقوف خلف توتير الشارع في محاولة للتأثير على رئيس الجمهورية ميشال عون والضغط عليه، بينما كان الحريري واضحاً في نفي أي دور له في الحراك.
وحتى الأمس القريب، لم يكن اي من المحركات التي يحكى عنها والتي وضعت قيد التداول الاعلامي قد عملت بشكل فعلي لإيجاد مخرج لأزمة ولادة الحكومة العتيدة. في آخر زيارة للمدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم للبطريرك الراعي في بكركي، نقل رسالة الى رئيس مجلس النواب نبيه بري يتمنى الراعي من خلالها ان يلعب دوراً مساعداً في تأمين لقاء بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والرئيس المكلف سعد الحريري، وجاء الجواب لاحقاً ان رئيس المجلس مستعد ليعمل بقوة ما يمكن فعله ولكن سبق له وان طرح مخارج عدة لآلية التأليف، لكن الامور لم تتحلحل وبقي الطرفان متمسكين كل بموقفه. ويقول مطلعون ان بري حالياً بمرحلة جمع افكار ودرس الوقائع، وليس بعيداً ان يطلق مبادرة لا تقتصر على مجرد كونها مبادرة سياسية. وذكّر بري البطريرك انه سبق واقترح فكرة “ممتازة” تقول بأن تسمي كل مرجعية اسماء “لا لها ولا عليها”، اي شخصيات غير حزبية لكنهم لم يأخذوا بها ولو ساروا بها لانتهت الأزمة.
ينقل زوار بكركي ان الراعي “متفاجئ” من تكبير حجم الخلاف الذي يعترض ولادة الحكومة بينما هو لا يبرر الاسباب التي يسردها الطرفان، أولاً لأنّ عون هو رئيس كل البلاد ولديه سلطات اقوى من السلطتين التشريعية والتنفيذية وبالتالي يتحمل مسؤولية ان يبادر لحل المشكلة ولا يجب ان يقف عند الاسماء ويتمترس خلفها، في الوقت الذي يمكن اعداد لائحة من الشخصيات المحترمة ومن اصحاب الخبرة التي يمكن الاختيار من بينها اسماء موثوق بها. لا يرى الراعي مبرراً للتمسك بأي اسم لأي حقيبة فاذا كان ثمة اعتراض على الاسم المرشح لحقيبة الداخلية مثلاً، فلماذا لا يصار الى اختيار بديل وهل يجب ان تقتصر حصة رئيس البلاد على سبعة وزراء بينما الحكومة كلها له يترأس جلساتها؟ بالمقابل لا يعفي الراعي حسب زواره تحميل الرئيس المكلف المسؤولية، فلا يجوز له هو ايضاً التمسك بأسماء ويقول لا اريد غيرها.
محاولات اللواء ابراهيم شملت اكثر من جهة معنية بتشكيل الحكومة، قصد اللقلوق حاملاً اقتراحات معينة كان من بينها بأن تكون الداخلية من حصة الحريري، بينما يقترح عون إسم المرشح لتوليها وتكون العدلية من نصيب عون ويقترح الحريري المرشح لتوليها. كل المحاولات التي تبذل لم تعد تجدي نفعاً بالنسبة إلى “التيار الوطني”، وقد نصح المحاولون ان راجعوا بعبدا ولا دخل لنا. حسمها “التيار الوطني” بتأكيده أن الرئيس المكلف لا يريد ان يشكل حكومة وهو غير قادر على هذه المهمة، ويتجنب تحمل تبعات رئاسة حكومة يتوجب عليها البت بملفات كبيرة وحساسة، اولها رفع الدعم وتحديد مصير حاكم مصرف لبنان رياض سلامة. ويسأل “التيار” مراجعيه عن برنامج الرئيس المكلف ورؤيته الاقتصادية وسياسته، وعما اذا كان الوزراء المقترحون سيكونون اهلاً لمواكبة المرحلة المقبلة بتطوراتها والقرارات الصعبة التي يفترض ان تتخذها الحكومة، وكيف سيتولى حكومة بلا تمثيل لـ”التيار الوطني” او “القوات اللبنانية” لتواكب حكومته فيما هو يرفض مشاركة رئيس الجمهورية؟
أما “حزب الله” فلم يتجاوز بعد مرحلة جس النبض وسط الجمود الذي يعتري التشكيل مع تمترس كل طرف خلف مواقفه. بالموازاة يحاول الرئيس المكلف البعث برسائله الى السعوديين عبر اطراف مختلفة، وهو لا يزال ينتظر تحية بالمثل على استنكاره الاخير لانفجار الصواريخ فوق ارض المملكة. هذا في وقت يحاول الفرنسيون إعادة احياء دورهم انقاذاً لمصالحهم المستقبلية، لكن مصادر معنية تجزم ان الفرنسيين وان كانوا يتواصلون مع اكثر من جهة في محاولة لتحريك الملف الحكومي، لكنهم لم يبلوروا طرحاً يمكن ان يلزم الافرقاء بتشكيل حكومة. وقد أوحى الرئيس الفرنسي باتصاله مع الرئيس الاميركي الجديد ان الملف اللبناني لا يزال يحتل صدارة متابعاته، لكن صار واضحاً أيضاً أنّ لبنان لا يحتل صدارة متابعة الادارة الاميركية الجديدة.