المسيحيون يجدون انفسهم خارج مؤسسات الدولة ولا حل إلا بمشاركتهم الفعلية بالقرار
تتصدّر بكركي اليوم المشهد السياسي، بفضل الحشد الشعبي المرتقب الذي سيؤمها، تأييداً لمواقف البطريرك الماروني بشارة الراعي، في ما ما يخص طرحه حياد لبنان، ودعوته الى عقد مؤتمر اممي لحل ازماته، والمعلومات تشير الى حضور مسيحي واسع مع جمهور من مناطق اخرى، اما مصادر بكركي فتؤكد بأنّ تحرّك اليوم ليس سياسياً، لانه غير موجّه ضد احد كما يحاول البعض ان يعطيه تلك الصورة، انما يهدف الى دعم مواقف الراعي، الذي سيُطلق كلمة امام المؤيدين والداعمين، يرّد فيه على كل الهواجس التي حاول البعض وضعها كحجر عثرة امام دعوته.
الى ذلك تشير المصادر نفسها الى انّ البطريرك عبر من الدين الى السياسة، بعد فشل السياسيين في حل ازمات لبنان، ومنها إزالة العراقيل امام التشكيلة الحكومية، لكنهم فشلوا لدوافع شخصية تتعلق بالحصص وتقاسمها، فيما الشعب اللبناني وصل الى القعر ولم يعد هنالك من امل بإنقاذه. لذا أطلق البطريرك الراعي العنان لعظاته كل احد، من خلال تكرار مناشدة المسؤولين، وفي طليعتهم رئيس الجمهورية والرئيس المكلف لفكّ الحصار عن التأليف الحكومي، كما طلب من الدولِ الصديقة الإسراعَ الى نجدة لبنان كما كانت تفعل كلما تعرّضَ للخطر، متوّجهاً الى منظمة الأمم المتحدة للعمل على إعادةِ تثبيت استقلال البلد ووحدتِه، وتطبيق القرارات الدولية وإعلانِ حياده، الذي هو ضمان وحدته وتموضعه التاريخي في هذه المرحلةِ المليئة بالتغييرات.
وفي هذا الاطار يقول مصدر سياسي مقرّب من بكركي لـ « الديار»: «هذه المواقف التي يطلقها البطريرك تعود الى خوفه الكبير على مصير لبنان، الذي يتهاوى بقوة لم يشهدها لبنان في اي مرة، معرباً عن امله بأن يعي المسؤولون خطورة الاوضاع والانزلاقات التي تسود البلد وشعبه يومياً»، وشدّد على ضرورة تضامن كل المسؤولين وتناسي تناحراتهم وخلافاتهم لان لبنان يحتضر، مؤكداً بأنّ الراعي مستمر بمناشدته كبار المسؤولين الدولييّن، لمساعدة لبنان وإنقاذه من الغرق الوشيك إنطلاقاً من مركزه ودوره الديني الفاعل، وذكّر المصدر بالعبارة الشهيرة التي رافقت الصرح البطريركي: «مجد لبنـان اُعــطي لبكـركي»، معتبراً انها تعطي للبطريرك حق إتخاذ القرار الحاسـم في كل الامور المصيرية، التي من شأنها المحافظة على لبنان ككيان ووجود، وبالتالي فهذه العبارة الشهيرة يرددّها المسيحيون في لبنان منذ عقود مع العديد من المـفكرين ورجال السياسة، خلال حديثهم عن الظروف التاريخـية التي رافقته، لاننا نمّر كشعب في مرحلة بالغة الخطورة، في ظل مخاوف كبرى لا تعّد ولا تحصى والآتي اعظم، خصوصاً ان الازمات المذكورة ستضع اللبنانيين أمام معادلة قد تقضي على السلم الأهلي، وتطيح بالدستور والشرعية.
ورأى المصدر انّ صرخة الراعي شكّلت نداءَ لمواجهة كل ما يهدّد الكيان اللبناني، واشار الى انّ بكركي لا تهوى السياسة لكنها تشهد على فشل السياسيين لذلك تدخلت في هذه المرحلة الدقيقة والظروف الصعبة، لان ما يجري لم يعد مقبولاً خصوصاً حين نرى الناس يأكلون من مستوعبات النفايات، وحين ينتحرون بسبب العوز والجوع، فهذا مخالف لكل القواعد الدينية.
وعلى خط الخلافات المسيحية – المسيحية، إعتبر المصدر نفسه، بأنّ ما جرى ويجري من خلافات وتراشق كلامي، بين التيار الوطني الوطني الحر والقوات اللبنانية فاق كل التوقعات، لانه أعاد الاحباط الى المسيحيين من جديد، بعد ان تأملّوا خيراً بأن الماضي الاليم قد زال، فيما للاسف ما زال قائماً وبقوة، ما ساهم في « قرف» المسيحيين من جديد لان زعماءهم اعادوهم الى المربع الاول، والى سنوات جهدوا من اجل نسيانها، خصوصاً اهل الشهداء الذين سقطوا من دون أي هدف، لان ابناءهم لم يستشهدوا بسبب قضية وطنية، بل من اجل المصالح الخاصة، بعد ان إستبشروا خيراً مع مطلع العام 2016، حين وُقّع اتفاق معراب وطمأن الشارع المسيحي بأنّ الخلافات الى زوال، لكن للاسف لم يستمر ذلك المطلب سوى اشهر قليلة.
وابدى المصدر خوفه من صعوبة تحقيق المصالحة المسيحية الفعلية، الا اذا توافرت النيّات الصافية للوصــول اليها، لان الانقسام المسيحي أكبر من ان تنهيه مصالحات شكلية لتبريد الاجواء، فيما المطلوب اليوم التكاتف بشدة بين القيادات المسيحية، وبالتالي عودة المسيحيين الى مؤسسات الدولة، ومشاركتهم عن حق في صناعة القرار، من خلال تعزيز دورهم وتأمين صحة التمثيل في المجلس النيابي، بقانون انتخابي عادل يؤدي الى المناصفة الحقيقية، لان هذه البنود تعتبر أولوية اليوم في الشارع المسيحي.