Site icon IMLebanon

طبعتان متعاكستان من “الممانعة والمقاومة”

 

سبت بكركي محطة مميزة في مسار مصيري: إنقاذ لبنان من خطر كياني، فوق تراكم الأزمات السياسية والمالية والإقتصادية والإجتماعية. فلا هو مجرد وقفة وخطاب بطريرك من دون متابعة في محطات جديدة. ولا المتابعة محصورة بما تفعله بكركي في إطار دورها الوطني والتاريخي بمقدار ما هي مفتوحة على التبلور في كتلة شعبية واسعة عابرة للطوائف والمناطق دقت ساعتها بالخيار والإضطرار معاً. الحد الأقصى للرهانات هو أن يكون السبت الشعبي في بكركي، بعد آلام لبنان المطلوب في الجمعة الممتدة على عقود، مثل سبت النور لقيامة لبنان. والحد الأدنى في الواقع الملموس الصعب هو تكريس جبهة “ممانعة ومقاومة” متجددة ودينامية ومعاكسة لمساعي أخذ لبنان بالقوة الى محور “الممانعة والمقاومة” الذي هو اسم مستعار للمشروع الإقليمي الإيراني.

 

ولا مفاجآت في ردود الفعل المحسوبة لدى “حزب الله”، والمباشرة بلسان المفتي الجعفري الممتاز أحمد قبلان. فالدعوة الى “استرداد الدولة من الدويلة” تواجه الحرص على إمساك الدويلة بالدولة. ومقاومة “الإنقلاب” على جوهر لبنان والدولة والطائف هي بالنسبة الى أهل الإنقلاب محاولة يائسة للعودة الى الماضي والقفز من فوق التحولات وموازين القوى الجديدة في البلد والمنطقة.

 

حديث “الحياد الناشط” هو “مؤامرة” على سلاح “حزب الله” الذي وُلد على يديه “لبنان آخر” ضمن منظومة الممانعة والمقاومة الدائمة لإسرائيل والغرب. و”التدويل” لتثبيتة الكيان اللبناني المعرض للخطر وحماية الحدود وتحصين الطائف هو “خيانة” عند قبلان و”خطر على لبنان” عند “حزب الله”، لأنه ببساطة خطر على المشروع الإيراني وأحادية التسلط الإيراني على البلد.

 

ومن السهل، ضمن المنطق الأحادي، إحتجاج “حزب الله” بأنه لا توافق في الداخل على مشروع الحياد والمؤتمر الدولي، والرد عليه بأنه لا توافق على السلاح خارج الشرعية والمشروع الإقليمي الذي هو جزء منه. لكن من الصعب الإتكال الدائم على “قوة الإختلاف” للحؤول دون إخراج لبنان من الهاوية التي قادته اليها المافيا السياسية والمالية والميليشيوية المتسلطة، سواء بالنسبة الى تأليف حكومة أو بالنسبة الى تسوية الأزمات السياسية والمالية والإقتصادية. فلا أحد يجهل ما على الطريق الى الحياد والتدويل من مصاعب وحواجز محلية وإقليمية ودولية. ومن الوهم، بالمقابل، تجاهل الحسابات المحلية والإقليمية والدولية التي تمنع سيطرة إيران على المنطقة.

 

ولا مهرب من سؤال بسيط هو: لماذا صارت الأزمات عصية على التسويات والحلول من الداخل؟ أليس لأننا أسرى مشروع إقليمي ضد طبيعة لبنان ومبرر وجوده المميز في الشرق كـ”بلد – رسالة”؟ أليس لأن حروبنا الصغيرة تخدم الحرب الكبيرة على البلد؟

 

شيء ما يعيد تذكيرنا بقصيدة ت. أس. إليوت”رحلة المجوس”: حيث يقول الملك الراوي لزملائه: “رأيت ولادة وموتاً. هذا الميلاد كان قاسياً ومراً بالنسبة إلينا، مثل الموت موتنا”.