IMLebanon

عن حجب حركة بكركي

 

إعتقد البعض أن أحداث الأسبوعين الماضيين، ولا سيما إصرار البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي على فكرة المؤتمر الدولي لإنقاذ لبنان، والالتفاف المسيحي حوله في 27 شباط في بكركي، والتوضيحات التي أدلى بها للغرض من اقتراحه… قد تكون حافزاً لدى القوى السياسية التي تعرقل تأليف الحكومة لتفرج عنها تجنباً لاتساع رقعة النقمة والاعتراض على تلك العرقلة وذاك التعطيل.

 

خاب ظن هذا البعض، وبدا اعتقادهم، على رغم حسن النية الذي يحركه والتوقع المنطقي الذي يقف وراءه، ساذجاً بعض الشيء. العكس هو الذي حصل. زادت الأمور تعقيداً وربما أخذت المواجهة بعداً تصعيدياً أكثر، بين القوى التي تريد تسريع قيام الحكومة والقوى التي تؤجلها إلى حين اتضاح الوضع الإقليمي. ومع أن الارتفاع القياسي الجديد في سعر صرف الدولار تسبب بعودة الاحتجاجات إلى الشارع وقطع الطرقات واشتعالها بحرق الإطارات، فإن أوساطاً سياسية ترصد بدقة سعي بعض فرقاء المأزق السياسي لتوظيف حركة الشارع في عملية تبادل الضغوط حول الحكومة وسائر عناوين التأزم.

 

أبرز مظاهر تصاعد الأزمة نزول “حزب الله” إلى حلبة الصراع على تأليف الحكومة بدل ترك المواجهة ضد حكومة الاختصاصيين، بالنيابة عنه، لحليفه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وصهره جبران باسيل، إضافة إلى نزول مناصريه إلى الشارع للمشاركة في الاحتجاجات على التردي المعيشي الذي لم يعد جمهوره مثل سائر الناس يحتمله، جراء الضائقة الاجتماعية.

 

منذ اقتراح أمينه العام السيد حسن نصرالله رفع عدد الوزراء من 18 وزيراً إلى 20 لتأمين حصول الفريق الرئاسي على الثلث المعطل تحت ستار التوازن في التنازلات بين عون والرئيس المكلف سعد الحريري، ظهر “الحزب” مربكاً بعدما جهد للإيحاء بأنه على الحياد وينتقد تشبث عون وباسيل بالثلث المعطل، لعلمه بأن “التيار الحر” يفقد قدرته على تأمين الغطاء المسيحي لدور “الحزب” الإقليمي في لبنان. بات “الحزب” يشعر بأن إصرار الراعي على المؤتمر الدولي لتثبيت دستور لبنان وميثاقه وهويته ولاستعادة قراره المصادر، ورفض وجود سلاح خارج الشرعية يسحب هذا الغطاء المسيحي الذي أمنه له عون وتياره في السنوات السابقة. وهو لذلك سعى إلى إحياء الحوار مع البطريركية المارونية عبر اللجنة المشتركة معها التي يتردد أنها ستجتمع بعد انقطاع طويل. يتبع “الحزب” أسلوباً لم يعد صالحاً لهذه المرحلة بعد الأضرار التي ساهمت سياسته في التسبب بها في البلد سياسياً واقتصادياً. فالإعلام التابع له يتحدث عن دور “الحزب” في حماية المسيحيين في شكل لا يقنع الجمهور المسيحي بالدور الذي يلعبه في المنطقة والذي يورط لبنان في سلبياته. وفي المقابل تتولى قناة “العالم” الإيرانية، الناطقة باللغة العربية توجيه الاتهامات للبطريرك بالتطبيع مع إسرائيل. وهو مؤشر سلبي في التخاطب، في ظل زيارة البابا فرنسيس إلى العراق اليوم.

 

نزل “الحزب” إلى حلبة الصراع حول الحكومة التي يرهنها بالوضع الإقليمي، فكرر نائب الأمين العام الشيخ نعيم قاسم تسريبات إعلامه وإعلام “التيار الحر”، بأن السعودية ترفض تأليف الحريري الحكومة، وقول باسيل إن الرئيس المكلف ينتظر موافقة الرياض على حكومته، في وقت قدم الأخير لائحته لعون منذ 9 كانون الأول من دون انتظار السعودية أو غيرها.

 

تصويب “حزب الله” على الحريري هدفه حجب الأنظار عن مشهد بكركي الذي يزعجه، كذلك مشاركة جمهوره في احتجاجات الشارع، خلافاً لتعامله السابق معه بالقمع، لتختلط العناوين وتحجب بعضها بعضاً.