لم ترِد على لسان البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي عبارة أن “حاكم مصرف لبنان رياض سلامة خط أحمر” ومع ذلك يواصل المعترضون على المواقف الوطنية للبطريرك إتهامه بأنه يغطي من يتهمونهم بالفساد.
لم يكن البطريرك الراعي هو الذي اتخذ القرار بإبقاء حاكم المركزي في منصبه في العام 2017، بل إن مجلس الوزراء مجتمعاً برئاسة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون هو الذي اتخذ هذا القرار، ولم يكن البطريرك الراعي هو الذي حال دون إقالة الحاكم سلامة من منصبه، عندما وقف رئيس الحكومة حسان دياب في قصر بعبدا وشنّ هجوماً لم يسبق له مثيل ضده، متهماً إياه بالكثير من جوانب الأزمة المالية وارتفاع سعر صرف الدولار، فالبطريرك لا وزراء له في الحكومة ولا صوت له فيها وليس بإمكانه أن يطعن بأي قرار تُقدم عليه الحكومة تعييناً أو إقالة.
ما فعله البطريرك الراعي، وكلامه موثق، هو أنه طلب فقط الإستماع إلى الحاكم رياض سلامة قبل إطلاق الإتهامات في حقه، وهو طلب يأتي في سباق التمني وليس في سياق الفرض إذ لا قدرة له على ذلك.
في كل الأزمات السياسية التي تقف الكنيسة فيها إلى جانب استقلال وسيادة لبنان وقراره الحر والخوف على هويته والخشية من تصدع الكيان، يتعرض رأس الكنيسة ولا سيما البطريرك الماروني لأبشع أنواع الهجمات والشتائم والتجريح، لسبب أن مواقفه تعرقل المخططات والأطماع الشخصية وغير الشخصية التي تحاك ضد لبنان واللبنانيين، وقد أثبتت هذه المواقف صحتها وأهميتها في درء الأخطار عن لبنان حتى ولو أراد الكثيرون ألا يعترفوا بذلك.
في الحملة ضد رأس الكنيسة أنه لولاها لما كان اتفاق الطائف ولما انتزعت صلاحيات رئيس الجمهورية، وفي جواب على ذلك أن الطائف ما كان ليوجد لولا الحروب العبثية التي أضعفت المكون المسيحي بشكل لم يسبق له مثيل، فدمرت قوته العسكرية وقوته الإقتصادية وفتحت الباب أمام المزيد من الضغط الخارجي، الذي أدى في النهاية إلى إسقاط الخطوط الحمر وسقوط المنطقة الحرة في لبنان ووقوعها تحت الوصاية السورية عسكرياً وسياسياً، وقد دفع المسيحيون ثمن ذلك تهميشاً واستبعاداً وإحباطاً كانوا يأملون أن يتخلصوا منها مع زوال هذه الوصاية.
إن ما أبقى المسيحيين في الحال التعيسة التي هم فيها أن فريقاً منهم قرر ألا يكون إلى جانب الدولة، وأن يصيغ التسويات والتفاهمات على حسابها وأن ينسى كل الشعارات التي بنى مجده عليها طالما استمرت هذه التفاهمات والتسويات، لنعود إلى تلك الشعارات عند سقوطها لا بهدف تحقيق هذه الشعارات بل بهدف تحقيق تسويات جديدة، تضمن المصالح الشخصية للبعض وتبقي الشعارات الكبيرة في ثلاجة الانتظار لاستخدامها في معارك شعبوية لاحقة.
الكنيسة في لبنان لا تطمح لمواقع سياسية ولكنها بالتأكيد ملزمة بلعب دور سياسي وطني عندما تشعر أن وجود الكيان وهويته مهددان، ما يعني أن الوجود المسيحي مهدد بالمزيد من الهجرة والإضمحلال، فدور الكنيسة ليس فقط تقديم مساعدات لفلول المسيحيين في هذا البلد فليس هذا ما يبقيهم في ربوعه، لأن ضمانة وجودهم ليست فقط في لقمة العيش والمدرسة والمستشفى في ظل انهيار الدولة، بل على العكس إن ضمانة الوجود المسيحي واللبناني هي دولة قوية تفرض سلطتها بالتوازي على الجميع وتؤمن الاستقرار والازدهار للوطن وأبنائه، عندها يبقى المسيحيون في لبنان ولا يهاجرون، لأن الهجرة دافعها الأول هو المستقبل المجهول وليس عدم الحصول على كرتونة الإعاشة.