تُراكم البطريركية المارونية، على لسان الكاردينال بشارة الراعي، مواقفها الوطنية التأسيسية لتملأ بجدارة فراغاً وطنياً يهدد بزوال لبنان. اتّخذت بكركي المبادرة بعد فشل اللقاء الوطني في بعبدا وبعد المواقف المتقدّمة للرئيس ميشال سليمان الذي أعاد التأكيد على مسؤولية من نكثوا بالتزامهم «إعلان بعبدا»، واضعاً مسألة حياد لبنان عن الصراعات الإقليمية في موقعها المحوري في الانقسام الوطني الحادّ. مواقف بكركي التي تدرجت من المطالبة بتحرير الشرعية والرئاسة ورسم سياسة الدولة العامة وفقاً للدستور والروح الميثاقية والثوابت اللبنانية والتوقف عن الإنحياز والإنعزال، والهرب من القرارات العادلة والجريئة، توّجتها دعوة الأُسرة الدوليّة لإعلان حياد لبنان، بهدف حمايته من الإنخراط في سياسة المحاور والصراعات الإقليميّة والدوليّة، والحؤول دون تدخُّل الخارج في شؤون لبنان، وحرصاً على وحدته الوطنيّة وسِلمِه الأهلي. بكركي إرتقت بإعلان الحياد الى اعتباره المحطة الثالثة والنهائية، في ذكرى مئوية لبنان الأولى ونقطة انطلاق نحو دور جديد فاعل.
لقد رأى الوافدون الى بكركي أنّ هناك من يستحق الزيارة ومن امتلك الشجاعة للخروج من الحالة الإنهزامية التي يعيشها السياسيون في لبنان أو ربما حاولوا التحفيز باتّجاه إطلاق دينامية سياسية قد تغيّر المشهد. ولكن من عليه أن يلاقي بكركي في تطلعاتها وريادتها بعد أن قدّمت نفسها كعلامة فارقة طغت على رتابة المشهد السياسي اللبناني؟ وهل تكفي الزيارات التي قام بها أكثر من مرجع دبلوماسي عربي وغربي للخروج من المأزق؟ والتساؤل الأهم، لماذا إكتفى بعض السياسيين بزيارة بكركي، ولماذا لم يجرؤا على مواكبة المواقف المتقدّمة لبكركي بما يرقى الى مستوى الأزمة؟
كيف لأهل السلطة أن يجرؤا على مواكبة بكركي وهم الذين عجزوا عن مواجهة صندوق النقد الدولي الذي ناشدهم التوافق على خطة الإنقاذ المالي، وهم الذين فشلوا في السير بالتدقيق الجنائي وهم الذين خاطبهم أحد أعضاء وفد صندوق النقد الدولي بالتوقّف عن الخداع بعد الجلسة السادسة عشر من المفاوضات؟
وماذا يُرتجى من أهل السلطة في لبنان بعد تصريحات وزير الخارجية الفرنسية جان إيف لودريان ودعوته لهم لمساعدة فرنسا للتمكّن من مساعدة لبنان، وبعد الأنباء التي سُربّت عن زيارة مرتقبة يقوم بها للبنان، هي أقرب الى زيارة التأنيب التي تكرر نفس المضمون «الإصلاحات أو لا مساعدات» مما يعبّر عن إستياء كبير من باريس تجاه رئيس الجمهورية وحكومة دياب؟
كيف سيواجه سياسيو لبنان مطالبة الولايات المتّحدة بإعادة النظر بمسألة التجديد لقوات اليونيفيل واتّهامها حزب الله بتجاهل القرار 1701 وإعاقة تحركات اليونيفيل، والتهديد بالإمتناع عن تمويلها باعتبارها الغطاء الأمثل لنشاطات حزب الله المزعزعة للاستقرار لأنها لم تستطع وقف تدفق السلاح من سوريا الى لبنان. وكيف ستواجه هذه السلطة الدعوة الأميركية لها للالتزام بمسؤولياتها وفرض السيادة على كامل الأراضي اللبنانية؟
إنّ القادرين على مواكبة المواقف الوطنية لبكركي هم المواطنون اللبنانيون المصممون على إنقاذ لبنان وإنقاذ دستوره وحدوده وحقوق المواطنين وثرواته الوطنية وانتمائه العربي وموقعه الإقليمي والدولي، وهم المواطنون العازمون على إنقاذ اقتصاده وجامعاته وإرث أبنائه ومستقبل أجياله، وبتعبير أكثر وجدانية هم المواطنون العازمون على الانخراط في معركة استعادة لبنان.
إنّ الثوار في لبنان مدعوون لخوض امتحان شاق أمام الشعب اللبناني لتكوين خلايا متخصّصة في شتى المجالات السياسية والتربوية والاجتماعية والاقتصادية للوصول الى قناعات مشتركة وأوراق عمل واقعية ومنتجة تُسهم في تكوين رؤية لسلطة بديلة شفافة قادرة على القيام بالعبء الوطني أمام اللبنانيين وأمام المجتمع الدولي. الثوار في لبنان مدعوون للإندماج في جبهة مدنيّة وطنيّة واحدة أو أكثر لإعادة الأمل الى اللبنانيين وملاقاة تطلعات بكركي في دورها الريادي.
* مدير المنتدى الإقليمي للدراسات والإستشارات