IMLebanon

إمّا أن تكون مع بكركي أو…

 

 

يتّجه الدويتو الحاكم اليوم، المكوّن من المنظومة والمنظّمة، إلى عمليّة عزل للبطريرك الماروني ترجمت برفض الوزير الماروني جورج قرداحي نصيحة غبطته بالاستقالة. وتتجلّى أكثر هذه العمليّة بفعل الخضوع الذي يمارسه فخامة الرئيس مستخدِماً الدّولة بمؤسّساتها جميعها لجبروت السلاح غير الشرعي، يُضافُ اليها استقواء “حزب الله” به على الدّولة ككلّ. أمام هذه العمليّة السافرة التي تتعرّض لها بكركي من دويتو الحكم، بدا غبطته حازماً وصلباً في مواقفه. فهل سيستطيع هذا الدويتو إخضاع بكركي حصن لبنان بأهل بيتها؟ أم أنّها ستبقى حرّة صلبة ووفيّة لتاريخ الأجداد مع مَن قرّر المواجهة من أهل بيت بكركي الأحقّاء؟

 

يبدو أنّ سيّد الصرح قد رفع مستوى التحذير لفخامته من مغبّة الاستسلام والخضوع لهذه الدّرجة أمام مَن يستقوي عليه بسلاحه، أي منظّمة “حزب الله”. وأغلب الظنّ أنّ سيّد الصرح طالب الفخامة الساكنة في القصر بأن تمارس فخامتها لأنّها رمز الجمهوريّة القويّة، لا رمز لبنان الضعيف. ولأنّ الفخامة لم تستجب للغبطة فما كان من غبطته إلا أن رفع الصوت مجدّداً، لكن هذه المرّة لمن لم يقرأ جيّداً في كلام غبطته، حمل بمحبّته لأبنائه انتقاداً لاذعاً لأنّهم يضحّون بوجه ووجهة لبنان، بمعنى آخر بالهويّة الكيانيّة اللبنانيّة مقابل مراكز الأرض البالية، متناسين أن ماذا ينفع الإنسان لو ربح الكراسي كلّها وخسر وطنه؟

 

فيما المطلوب واحد، على قاعدة مرتا مرتا، وهو الحفاظ على لبنان الجوهرة والرسالة والدّور كما قال غبطته. فلا الوزير باسيل ولا الوزير قرداحي الذي على ما يبدو أنّه نجح بتقديم أوراق اعتماده لحارة حريك، وصار المنافس الثاني بعد الوزير فرنجيّة للوزير باسيل ضمن أهل البيت الواحد؛ سينتفع هؤلاء الثلاثة إن طار لبنان برمّته. فما لهثهم إلا خلف جيفةٍ هم صنعوها، وباتوا اليوم يتناتشون ما بقي منها سوى سباق إلى القبور.

 

فالاستقواء برفع منسوب الطّاعة لمنظّمة “حزب الله” لا يبني وطناً. والإستقواء برفع منسوب التهجّم على البعد الهويّاتي العروبي للبنان كرمى عيون منظّمة “حزب الله” أيضاً التي تريد أن تتحوّل وجهة الشرق نحو إيران والصين ومَن لفّ لفيفهما، كذلك هذا الاستقواء لن ينفع؛ لا سيّما وأنّ ارتفاع منسوب الحديث عن فشل المفاوضات النوويّة في فيينّا يرتفع يوماً بعد يوم على وقع ارتفاع سقف المطالبات الإيرانيّة، تمهيداً لشراء الوقت، عملاً بمبدأ الديبلوماسيّة الفارسيّة المعهودة.

 

لا يا سادة. بكركي لا تطلب موعداً من أحدٍ، ومَن يعطّل الحياة اللبنانيّة بالكامل أبواب بكركي ستبقى مقفلة بوجهه. هذا هو سقف بكركي اليوم التي تحاصِر ولا تُحاصَر، وتُحاضِر ولا تُحاضَر، والأهمّ تُسامِحْ ولا تُسامَح، وأكثر من ذلك، بكركي لا تُقايِضُ ولا تُقايَضُ. لذلك كلّه، تُفتَحُ الأبواب متى تُرفَعُ اليدُ عن القضاء، ويحترَمُ مبدأ فصل السلطات. وكلّ كلام عن صلاحيّات مكتسبَة بالدّستور لا يُصرَفُ إلا متى يُحتَرَمُ هذا الدّستور. لا متى يتمّ تجاوزه لاستملاك كرسيّ بعبدا، أو لحجز صكّ ملكيّته من دوائر حارة حريك العقاريّة. وما يختصّ بالقضاء يقرّره القضاء وحده لا الحكومة ولا مجلس النوّاب.

 

أقلّ من هذا السقف، الأبواب تبقى موصدة، وقوّات الجحيم لن تتمكّن من زلزلتها قيد أنملة. ومخطّطات تركيع الناس بتجويعهم كلّهم ستبوء بالفشل، لأنّ ما لم يتمّ القبول به تحت ضربات القذائف والراجمات السوريّة، لن يتمّ القبول به أمام عروضات وعراضات المازوت الإيرانيّ المهرّب عبر الحدود. وغبطته قال كلمته ومشى في ما يتعلّق بحقّ المغتربين بالتصويت للبنانيّين الذين يترشّحون في لبنان، لا أن يتمّ سجن صوتهم الإغترابي بنوّابٍ ستّة فقط غير معروف حتّى الآن معيار توزيعهم على القارّات. مع العلم أنّ سيّد الصرح ملتزم بقرارات المجلس الدّستوري الذي ينظر بالطّعون التي قُدِّمَت بتعديلات القانون.

 

وهذا ما يؤشّر أكثر إلى أنّ هذا الدويتّو سيتشدّد أكثر برفضه العمليّة الديموقراطيّة لأنّها حتماً ستطيح به. ما يعني أنّ مهمّة بكركي اليوم تضاعفت في تسريع انعقاد المؤتمر الدّولي من أجل لبنان الذي شخّصه غبطته بالمريض. من هنا، كما قال:”علينا القيام بتشخيص حالته والجلوس والتصارح بعضنا مع بعض كي نداويه، ولا نستطيع الاستمرار على هذا المنوال”. وهنا بيت القصيد. إن لم يستجب المعطّلون والمعرقلون للدّولة وللتحقيق لدعوة بكركي الصريحة فسنكون حتماً أمام الفراغ الكياني الذي يحاول فخامته فرضه ليفرض مرشّحه الرئاسي، أي صهر العهد.

 

وهذا ما ترفضه بكركي انطلاقاً من رفضها لمجرّد فكرة الديموقراطيّة التعطيليّة التي تتجلّى اليوم بتعطيل الحكومة وأسرها. هذا التعطيل الذي يعطّل حياة الوطن والشعب معاً. وهذا ما يخدم الدويتو ليُحكِم سيطرته أكثر على الدّولة علّه يرفع منسوب التفاوض على رأسها، كما رفعت سالومي منسوب التفاوض على رأس يوحنّا. وبالطبع هذا ليس عملاً سياسيّاً على قدر ما هو حالة اختطافٍ مع خاطِفٍ يرفض التفاوض لإطلاق رهينته. عسى ألا نصل إلى قناعة تستوجب اللجوء إلى القوّة لتحرير الرهينة، لأنّها قد تكلّف قتل الخاطِف. في حين أنّ التفاوض قد يبقيه شريكاً.

 

أعيدوا حساباتكم جيّداً، فبكركي لا تخضع لأحد، والتاريخ يشهد. ولا تسعى بكركي لإخضاع أحد، جُلَّ ما تريدُهُ هو أن يبقى لبنان التاريخ والرسالة والسلام والدّور كما أراده الآباء والأجداد، وكما أراده محيطه الحيويّ كلّه. بكركي تريد لمرفأ بيروت أن يكون صلة الوصل للشرق مع الغرب، لا مرفأ حيفا التي يدّعون محاربتها. بكركي تريد أن يكون لبنان أكاديميّة للحوار والتلاقي لا أن تصبح قاعدة التفاوض لتلاقي اتّفاقيّات ابراهم اللاهثين إلى الدّخول تحت مظلّتها، ولو بطريقة غير مباشرة.

 

بكركي اليوم كما في تاريخها كلّه، رأس حربة في مواجهة كلّ مَن لا يريد الحفاظ على لبنان الدّور والرسالة والتاريخ. ومَن لا يواجه مع بكركي فهو حتماً لا يريد لبنان. ومواجهة بكركي لا تكون إلا بالكلمة، لأنّ الكلمة وحدها تحرّر من ربقة السلاح وعبئه وأدران الشرّ وأفعال الشرير التي يتلطّون تحت عباءتها لينهشوا لبنان. التغيير آتٍ لا محالة. فإمّا أن تكون مع بكركي أي مع لبنان، وإمّا لا تكون بالمطلق. ومَن له أذنان للسماع…. فليسمع !