الراعي قلق من الوصول إلى الفراغ الرئاسي ويحث على احترام المهل الدستورية
على مسافة أسبوعين من الدخول الفعلي في المهلة الدستورية لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، سُحب الكلام عن تأليف الحكومة من التداول، وسلّمت كل القوى السياسية باستحالة انجاز هذا الملف، وترك الساحة لحكومة تصريف الأعمال كي تقوم بما تيسّر لها من أعمال على المسؤى الضيّق تدير من خلالها أمر البلاد والعباد.
وإذا كانت الخلافات السياسية قد أطاحت بأي إمكانية لتأليف حكومة جديدة في الوقت الذي فيه لبنان أكثر حاجة لحكومة مكتملة الأوصاف تكون قادرة على معالجة الملفات الداخلية ومواجهة التحديات الخارجية، فإن الاستحقاق الرئاسي لن يكون أفضل حالاً حيث أن الخلافات حول هذا الملف أكبر وأعمق ويزيد عليها عدم المبالاة الإقليمية والدولية بالواقع اللبناني، حيث أن التطورات في المنطقة جعلت لبنان في آخر درج من سلّم الأولويات لدى أهل القرار في الدول التي عادة ما كانت تدخل بالمباشر على خط إنجاز الاستحقاقات الكبرى لا سيما الانتخابات الرئاسية.
يقول العارفون بخفايا الأمور السياسية في لبنان أن الكباش السياسي سيشتد مع قابل الأيام، وأن الساحة الداخلية مقبلة على اصطفافات سياسية تحكمها الضرورة، في إشارة واضحة على الارتباك الحاصل على المستوى السياسي حيث ان غياب التفاعل الخارجي مع الشأن اللبناني جعل الصورة لدى المتعاطين بالشأن السياسي مشوشة إلى حدّ يعجز فيه أي مسؤول عن تقديم رؤية واضحة حول ما يُمكن أن تذهب اليه الأمور في ما خص كل القضايا المطروحة.
وفي دلالة واضحة على التباعد السياسي الحاصل حيال مختلف القضايا والانتخابات الرئاسية جزء منها نصحت إحدى الشخصيات السياسية التي هي من بين الأسماء المتداولة لرئاسة الجمهورية أحد زوارها بالسفر وعائلته خارج البلد إذا كان في إمكانه ذلك، وقال له بما يشبه الجزم بأنه لا يُمكن انتخاب رئيس للجمهورية في خلال المهلة الدستورية المحددة، لذلك، وأنه إذا تُرك أمر الانتخاب للبنانيين وحدهم، فلن يكون هناك رئيس لفترة طويلة، فالأفق الداخلي مقفل بالكامل، وإن بصيص الأمل الوحيد الذي من الممكن النفاذ منه بإنجاز هذا الاستحقاق هو حصول تسوية ما في المنطقة، تعيد الوضع اللبناني الى مسرح الاهتمام الدولي،وعدا ذلك فإننا سنبقى في دوامة، وإن الفراغ الرئاسي ربما يستوطن في قصر بعبدا لمدة طويلة..
الأمل الوحيد هو بحصول تسوية في المنطقة تُعيد الوضع اللبناني إلى مسرح الاهتمام
هذا الكلام للشخصية السياسية يُؤكّد بما لا يدعو إلى أي شك أن الصراع السياسي المحتدم خصوصاً على الساحة المسيحية حول شخصية ومواصفات الرئيس المقبل للجمهورية ليس من السهل معالجته أو الحد منه، لا سيما وأن كل فريق يعتبر نفسه الفريق المؤهل بإيصال الرئيس الجديد الى قصر بعبدا، دون إعطاء أي اعتبار للظروف الاقتصادية والمعيشية الصعبة والتي لم تعد تحتمل أي نوع من النكد أو الدلع السياسي، بعد أن وصلت أوضاع النّاس الى الدرك الأسفل من التدهور.
وتكشف مصادر متابعة في هذا الدور أن بعض السياسيين راجعوا بكركي حول امكانية ان يلعب البطريرك الراعي دوراً ما من شأنه ان يخفف من حدة الاحتقان الموجود على الساحة المسيحية، غير ان هؤلاء لم يسمعوا اجوبة واضحة من سيد بكركي الذي جدد موقفه الداعي الى تجنب الفراغ والذهاب باتجاه انتخاب رئيس للجمهورية في خلال المهلة الدستورية، معتبراً ان تجاوز هذا الامر يعني تجاوزاً للخطوط الحمر وهو ما لن تقبل به بكركي على الاطلاق.
ويؤكد مقربون من البطريرك الراعي أن مسألة جمع القيادات والأحزاب المسيحية في بكركي على غرار ما جرى في مراحل سابقة غير واردة على الاطلاق خلافاً لما يكتب او يقال في وسائل الاعلام، لأن اي دعوة من هذا النوع اذا لم تثمر اتفاقاً حول المواضيع المطروحة على الطاولة يعني اضعافاً لدور بكركي وهو ما يرفضه البطريرك، ولذا فهو يفضل ان يلتقي بهذه القيادات السياسية والحزبية كُلٌّ على حدة.
واوضح هؤلاء المقربون ان اي لقاء اذا حصل في بكركي او غير بكركي لهذه القيادات المسيحية لا توجد اي مؤشرات تدل على انه سيخرج باتفاق على برنامج عمل او على مرشح واحد لرئاسة الجمهورية والسبب في ذلك ان الخلافات بين هؤلاء كبيرة جداً، لان كل واحد منهم ينتمي الى محور من المحاور الاقليمية والدولية.ولفتوا الى ان دور البطريرك الراعي سيقتصر هذه الفترة على حث الجميع على احترام الاستحقاقات الدستورية وفي مقدمها انتخاب رئيس للجمهورية ومنع الامور في ان تذهب خارج الاطار الدستوري في محاولة منه لخلق اجواء تفاهم على مرشح قوي يتفق عليه الجميع، مشددين على ان اكثر ما يقلق بكركي هو ان المعطيات التي تملكها حتى الساعة تفيد بأن المرشح الأقوى في ما خص رئاسة الجمهورية هو الفراغ الذي تتقدم حظوظه يوماً بعد يوم نتيجة الانشطار السياسي الموجود في لبنان وبشكل اساسي على المستوى المسيحي، معربين عن الخشية من أن يؤدي الفراغ الرئاسي الى الفيدرالية.
وفي اعتقاد هؤلاء ان أياً من القوى الموجودة على الساحة اللبنانية تملك جواباً واضحاً على سؤال يتعلق بالمرحلة القادمة حول ما اذا كنا ذاهبين الى الحرب او السلم، او الى تسوية او عدم تسوية،ومردّ ذلك الارباك الدولي الحاصل بفعل الحرب الروسية الاوكرانية، وما يتفرع عنها من ازمة غذاء، ومحروقات،اضف الى ذلك الانتخابات النصفية في الولايات المتحدة الاميركية، اذ ان كل هذه القضايا مجتمعة لا تشجع على توقع حلول سريعة للازمات الموجودة في لبنان.