أحياناً» الأوضاع تتطلب ليونة ما في التعاطي معها وأحيانا» أخرى خطورة الأحداث وتسارعها تتطلب المواقف الحازمة الجذرية التي لا مواربة فيها بل الوضوح في تحديد الأولوية والشجاعة في مواجهتها.
لبنان يعيش الحالة الثانية، إن وجود الكيان والدولة في خطر داهم وليس الخراب في الإقتصاد والمال والنقد والأوضاع الإجتماعية و… إلا عوارض المرض العضال الذي ينهش جسد الوطن.
وهنا، أستذكر بعض ما هو متداول في بعض أوساط الإنتفاضة ولا يسعني إلا إستذكار كتاب لينيين المعنون «الطفولية اليسارية» وأن أصف بعض طروحاتهم بـ«الطفولية السياسية».
ولا بد من التطرق لموضوعين يتم التداول بهما: حكومة مستقلين وإنتخابات مبكرة أم لا بهدف إعادة إنتاج السلطة من خلال المسارات الدستورية. يا حبذا لو كان هذا ممكن التحقيق في ظل تأثير عامل سلاح حزب الله الأساسي في تكوين ميزا ن القوى العام. ففي هذين الموضوعين الملاحظ أن البعض قد سبقهم على طرحها في إطار سعيهم إلى السلطة وتحت سقف سطوة حزب الله بإنتظار «الفرج من الخارج» عملا» بمقولة «إنتظار الجثة على ضفاف النهر»، ولا سيما الدكتور سمير جعجع والسيد سعد الحريري.
وهنا لا بد من تنبيه أصحاب القضية الشرفاء من أن غالبا» ما تتناقض متطلبات العمل الوطني مع أولويات السعي إلى السلطة وأنه يجب الحذر من المزج بينهما خاصة في أوضاع مصيرية كالتي يشهدها لبنان. هذا ما علمتني إياه مسيرتي الطويلة في العمل الوطني.
هل حكومة مستقلين ممكنة التنفيذ؟ حزب الله المستنفر والمتوجس من إستهدافه لن يقبل بحكومة إلا إذا له الأمرة فيها. يبدأ مسار تشكيل أي حكومة بإستشارات برلمانية ملزمة يجريها الرئيس ميشال عون. وبما أن حزب الله يمون على الأغلبية في البرلمان سوف يسمي هو رئيس الحكومة الذي سوف يشكل حكومة يرضى عنها. وهذا يعني في إحسن الأحوال تشكيل حكومة له فيها أغلبية، شكلاً هي مشكّلة من مستقلين ولكن عملياً، هي مسماة من حزب الله، أمل، التيار العوني، حزب المردة بالإضافة إلى القوات والمستقبل والإشتراكي وربما وزير واحد للثوار للديكور.
أما الإنتخابات، أكانت مبكرة ام لا، ووفق أي قانون، سوف تنتج ما يشبه البرلمان الحالي مع بعض الرتوش وربما بزيادة نائب أو نائبين من الثوار. لماذا؟ لقوة تأثير السلاح في يد حزب الله والمال والتنظيم والخبرة الإنتخابية في يد الطبقة السياسية، الموالية والمعارضة، ولا سيما وخاصة الدولة العميقة المنحازة لهذه الطبقة بحكم المحاصصات المزمنة والزبائنية السياسية.
ولكن ما العمل؟
غبطة البطريرك الراعي، إنطلاقاً من دور بكركي التاريخي في صون الكيان اللبناني لكل اللبنانيين والتي كان لبكركي اليد الطولى في إنشائه، رسم خريطة الطريق بالعودة إلى الحياد الإيجابي الذي هو ملازم للكيان اللبناني، الذي يتلاءم مع الطبيعة المجتمعية للتكوين اللبناني والذي يحفظ وحدته الوطنية التي قد تتهدد من لجوء هذا الطرف أو ذاك إلى هذه الدولة او تلك تأميناً لمصالحه أو لهيمنته أو خوفاً من الآخر والذي إنتهجته السياسة الخارجية للدولة اللبنانية. إن هذا الحياد هو نقيض ما يعمل عليه حزب الله جاهدا» لإدخال لبنان الدولة في ما يسميه محور المقاومة، وهو في حقيقته المحور الذي تديره الجمهورية الإسلامية في إيران. كما أن في كلام غبطته مكاناً لعلاقة لبنان الأخوية بالدول العربية وبإلتزامه بالقرارات الدولية.
فإذا كان الحياد يصون الكيان اللبناني، فإن تفيذ القرار 1559 يصون سيادة الدولة اللبنانية وإستقلال لبنان ويدعو إلى تسليم الميليشيات سلاحها إلى الجيش اللبناني.
من الواضح أن بكركي باتت تظلل إنتفاضة 17 تشرين. فهذا أمر عظيم، ليس فقط لأنه يعطي الإنتفاضة مناعة في مواجهة قمع السلطة الفاسدة، إنما أيضاً لأن لبكركي ثقلها الوطني اللبناني الكبير وطلتها على المجتمع الدولي الذي يتأثر بمواقفها، ولا سيما عندما تعبر عن إنتفاضة الشعب اللبناني بأسره. وهنا، لا بد من التذكير بمناسبة مئوية تأسيس دولة لبنان لإعطاء الكيان حصانته الدولية، بالدورالأساسي الذي لعبه البطريرك إلياس الحويك في ولادة لبنان الدولة. كما لا بد من الإشارة إلى دور البطريرك صفير في إنهاء الإحتلال السوري وتحقيق الإستقلال الثاني للبنان.
واليوم كما الغد، ها هو البطريرك الراعي يعلن عن إرادته بتخليص لبنان من الذهاب إلى جهنم الفقروالعوز والمجاعة والصوملة بالتأكيد على ضرورة صيانة الكيان لصيانة الدولة وتأكيد إستقلال لبنان الثالث.
البطريرك الراعي وإنتفاضة 17 تشرين يشكلان ثنائية خلاص لبنان، كما أن الحياد والقرار 1559 يشكلان السبيل الوحيد لخلاص الكيان والدولة والخطوة الأولى على طريق زوال المنظومة الفاسدة بمكوناتها كافة(الطبقة السياسية الفاسدة، الدولة العميقة، المنظومة المالية الفاسدة) وحل المعضلة الإقتصادية-المالية-النقدية والمشكلة الإجتماعية الحادة.
وأهلاً وسهلاً بمن يريد أن يستلحق نفسه بدعم هذه الثنائية على أساس الإعتراف بالخطأ والتوبة وليس على أساس إستغلالها لمآرب وطموحات سلطوية.